مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٥٣٩
لا تحصل له الثالثة والرابعة، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله. ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث، والانسان لا يقدر أن يهدى أحدا إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الأول أشار بقوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم - يهدون بأمرنا - ولكل قوم هاد) أي داع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى: (إنك لا تهدى من أحببت) وكل هداية ذكر الله عز وجل أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة وهي التوفيق الذي يختص به المهتدون، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة نحو قوله عز وجل: (كيف يهدى الله قوما) إلى قوله (والله لا يهدى القوم الظالمين) وكقوله (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدى القوم الكافرين) وكل هداية نفاها الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البشر، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل والتوفيق وإدخال الجنة، كقوله عز ذكره: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء - ولو شاء الله لجمعهم على الهدى - وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم - إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل - ومن يظلل الله فما له من هاد - ومن يهد الله فما له من مضل - إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء) وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقوله: (من يهد الله فهو المهتد) أي طالب الهدى ومتحريه هو الذي يوفقه ويهديه إلى طريق الجنة لا من ضاده فيتحرى طريق الضلال والكفر كقوله:
(والله لا يهدى القوم الكافرين) وفى أخرى (الظالمين) وقوله (إن الله لا يهدى من هو كاذب كفار) الكاذب الكفار هو الذي لا يقبل هدايته، فإن ذلك راجع إلى هذا وإن لم يكن لفظه موضوعا لذلك، ومن لم يقبل هدايته لم يهده، كقولك من لم يقبل هديتي لم أهد له ومن لم يقبل عطيتي لم أعطه، ومن رغب عنى لم أرغب فيه، وعلى هذا النحو (والله لا يهدى القوم الظالمين) وفى أخرى (الفاسقين) وقوله:
(أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى) وقد قرئ " يهدى إلا أن يهدى " أي لا يهدى غيره ولكن يهدى أي لا يعلم شيئا ولا يعرف أي لا هداية له ولو هدى أيضا لم يهتد لأنها موات من حجارة ونحوها، وظاهر اللفظ أنه إذا هدى اهتدى لاخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) وإنما هي أموات. وقال في موضع آخر: (ويعبدون من
(٥٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 ... » »»
الفهرست