* (كانوا به يستهزءون (30) ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون (31) وإن كل لما جميع لدينا محضرون (32) وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) * * ولا يجوز عليه هذه الصفة؟ والجواب عنه: أن معنى قول القائل يا حسرة مثل قوله: يا عجبا، وكذلك قوله: يا حسرتاه، مثل قوله: يا عجباه، والعرب تقول هذا على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فيستقيم فيمن يعقل وفيمن لا يعقل، وقوله: يا عجباه أبلغ من قولهم: أنا أتعجب من كذا، فكأنه قال : أيها العجب هذا وقتك، وأيها الحسرة هذا زمانك، وحقيقة المعنى: أن هذا الزمان زمان الحسرة والتعجب.
وأما قوله: إن الحسرة على الله لا تجوز، قلنا: نعم، ومعنى الآية: يا حسرة على العباد من أنفسهم؛ وكأنهم يتحسرون على أنفسهم غاية الحسرة، والحسرة هي التلهف على أمر فائت بأبلغ وجوهه حتى يبقى الرجل حسيرا منقطعا من شدته، وقرئ في الشاذ: ' يا حسرة العباد ' وجواب آخر: أنه تعالى قال: * (يا حسرة على العباد) لأنهم صاروا بمنزلة يتحسر عليهم، ويقال معناه: يا حسرة الرسل والملائكة على العباد، والجواب الأول أحسن الأجوبة.
وقوله: * (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون) أي: استهزاء التكذيب.
قوله تعالى: * (ألم يروا كم أهلكنا) قرأ ابن مسعود ' ألم يروا من أهلكنا '، والمعروف كم أهلكنا، وهو للتكثير.
وقوله: * (قبلهم من القرون) اختلفوا في مدة القرن، وقد بينا من قبل، وقد روي عن النبي: أنه قال لعبد الله بن بسر المازني: ' إنك تعيش قرنا؛ فعاش مائة سنة '، وقوله: * (أنهم إليهم لا يرجعون) أي: لا يرجعون إلى الدنيا.
قوله تعالى: * (وإن كل لما) ' إن ' ها هنا بمعنى: ما، و ' لما ' بمعنى: إلا، فمعنى الآية: وما كل إلا جميع لدينا محضرون، وفي مصحف أبي بن كعب على هذا الوجه.