تفسير السمعاني - السمعاني - ج ٣ - الصفحة ٥٨
* (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين (85) قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون (86) يا بني) * * قوله: * (يا أسفى) يا حزن على يوسف، والأسف: شدة الحزن. وقوله: * (وابيضت عيناه من الحزن) يعني: غلب البياض على الحدقة وذهبت الرؤية. ونسبه إلى الحزن؛ لأنه كان يبكي لشدة الحزن وعمي لشدة البكاء. وقوله: * (فهو كظيم) أي: ممسك على حزنه لا يبثه ولا يذكره للناس. فهذا بعد أن نهاه الله عن ذلك على ما بينا.
قوله تعالى: * (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف) يعني: لا تزال تذكر يوسف، و ' لا ' محذوفة، وقوله: * (حتى تكون حرضا) قال ثعلب - أحمد بن يحيى - الحرض: كل شيء لا ينتفع به، قال مجاهد: الحرض ما دون الموت، وقال الفراء: الحرض هو الذي فسد جسمه وعقله، وقال أبو عبيدة: الحرض هو الذي أذابه الحزن. وقيل: هو المدنف البال، والأقوال متقاربة.
وعن أنس بن مالك أنه قرأ: ' حتى تكون حرضا ' والحرض: الأشنان، ومعناه: حتى تصير كعود [الأشنان]، وقوله: * (أو تكون من الهالكين) أي: من الميتين.
قوله تعالى: * (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) قد بينا الخبر [الوارد] في هذا برواية أنس. والبث: الهم، * (وحزني إلى الله)، وروى أنه قال: يا رب، أما ترحمني، قد أخذت مني كذا وكذا - وجعل يعدد - رد إلي ريحانتي (فأشمها شمة ثم افعل) بي ما أردت ولا أبالي، فأوحى الله - تعالى - إليه: أن اسكن وفرغ روعك فسأردهما إليك. وفي الآثار المسندة عن الحسن البصري أنه قال: بكى يعقوب ثمانين سنة وما جف له دمع، ولم يكن على وجه الأرض أحد أكرم على الله منه. قوله: * (وأعلم من الله ما لا تعلمون) يعني: أعلم من حياة يوسف ما لا تعلمون، وقيل: أعلم من تحقيق رؤيا يوسف ما لا تعلمون، فإن قال قائل:
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»