كيف بكى يعقوب كل هذا البكاء وحزن هذا الحزن، وهل أصيب إلا بفقد ولد واحد، أفما كان عليه أن يسلم الأمر إلى الله تعالى ويصبر؟ الجواب عنه: أنه امتحن في هذا بما لم يمتحن به غيره، ولم يسأل عن يوسف مع طول الزمان، وكان [ابتلاؤه] فيه أنه لم يعلم حياته فيرجو رؤيته، ولم يعلم موته فيسأل عنه، وكان يوسف من بين سائر الإخوة خص بالجمال الكامل (والعقل) وحسن الخلق وسائر ما يميل القلب إليه. وروي عن الحسن البصري أنه مات أخوه فبكى عليه بكاء شديدا فسئل عن ذلك؟ فقال: سبحان من لم يجعل الحزن عارا على أهله، وقرأ قوله تعالى: * (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله). وروى حبيب بن أبي ثابت قال: لما كبر يعقوب وطال عليه الحزن سقط حاجباه على عينيه من الكبر فكان يرفعهما بخرقة، فدخل عليه بعض جيرانه وقال: ما الذي بلغ بك ما بلغ ولم تبلغ سن أبيك بعد؟ قال: طول الزمان وكثرة [الأحزان]، فبعث الله إليه جبريل - عليه السلام - وقال: يا يعقوب، شكوتني إلى خلقي؟! فقال: خطيئة فاغفرها لي يا رب. فغفرها الله له، وكان بعد ذلك إذا سئل عن حاله قال: ' إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ' وعن وهب بن منبه: أن الله تعالى أوحى إلى يعقوب - عليه السلام - فقال: أتدري لم عاقبتك وفرقت بينك وبين ولدك؟ قال: يا رب لا، فقال: لأنك ذبحت شاة وشويتها وقترت على جارك وأكلت ولم تطعمه؛ وقد روى أنس، عن النبي قريبا من هذا أورده الحاكم أبو عبد الله. وفي خبر أنس: ' أن الله تعالى قال ليعقوب: اتخذ طعاما وادع إليه المساكين، ففعل وكان بعد ذلك إذا تغد أمر من ينادي: من أراد الغداء فليأت يعقوب، وإذا أفطر أمر من ينادي: من أراد أن يفطر فليأت يعقوب، فكان يتغدى معه القوم الكثير، ويتعشى معه القوم الكثير من المساكين '.
وفي القصة: أن سبب ابتلاء يعقوب أنه ذبح عجلا بين يدي أمها وهي تخور. وعن عبد الله بن يزيد وابن أبي فروة: أن يعقوب - عليه السلام - كتب كتابا إلى