* (الماكرين (30) وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا) * * عليهم إبليس في صورة شيخ، فقالوا له: ما الذي أدخلك علينا؟ قال: أنا شيخ من نجد، ولست من تهامة، وقد بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل، وأنه لا يعدمكم مني رأي، فقالوا: اتركوه، ثم تشاوروا، فقال عتبة: اربطوه على جمل وأخرجوه من بلدكم تكفكموه العرب، فقال إبليس: ليس هذا برأي، أما ترون حلاوة منطقه وأخذه القلوب، فلو فعلتم به ذلك يذهب فيستميل قلوب قوم ثم يغزوكم ويفرق جمعكم، فتركوا ذلك، فقال أبو البختري بن هشام: نحبسه في بيت ونتربص به ريب المنون، فقال إبليس: ليس هذا برأي، فإن له عشيرة وقوما لا يرضون به ويخرجونه، فتركوا ذلك، فقال أبو جهل: عندي رأي، هذه خمسة أحياء من قريش، نختار من كل حي شابا قويا ونضع في يده سيفا حادا، ونأمرهم أن يضربوه دفعة واحدة حتى يتفرق دمه في القبائل، ويعجز قومه عن القتال فيرضون بالدية، فقال إبليس: هذا هو الرأي، وتفرقوا عليه، فأخبره الله تعالى يمكرهم، ونزلت الآية، فروى أن النبي بعث أبا بكر ليتفحص عن حالهم، فلما جاء إليهم فإذا إبليس قد خرج من بينهم، فماشاه ساعة ثم لما أراد أن يفارقه قال له أبو بكر: أين تريد؟ فقال [له] اللعين: لي قوم بهذا الوادي، فعلم أبو بكر أنه إبليس، فقال الحمد لله الذي أخزاك واظهر دينه، فاختفى منه؛ فقوله * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) هو مكرهم ذلك، والمكر: التدبير * (ليثبتوك) أي: ليحبسوك كما قال أبو البختري * (أو يقتلوك) كما قال أبو جهل * (أو يخرجوك) كما قال عتبة.
* (ويمكرون ويمكر الله) والمكر من الله: التدبير بالحق، وقيل: هو الأخذ بغتة. قال الزجاج معناه: يجازيهم جزاء المكر.
* (والله خير الماكرين) أي: خير المدبرين.
قوله تعالى: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا) هذا قول النضر بن الحارث بن كلدة، وكان قد خرج إلى الحيرة من أرض العراق