تفسير السمعاني - السمعاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٣
* (بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب (13) ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار (14) يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (15) ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى) * * (ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عاب النار) إنما قال ذلك مبالغة في التعذيب والانتقام، والعرب تقول للعدو إذا أصابه المكروه: ذق. قال الله تعالى: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم).
وروي أن أبا سفيان بن حرب لما مر بحمزة بن عبد المطلب وهو مطروح مقتول يوم أحد فقال له: ذق يا عقق، يعني: ذق أيها العاق.
وفي القصة: أن المسلمين لما فرغوا من قتال بدر وانهزم الكفار قصدوا طلب العير وأن يتبعوهم - وكان العباس بن عبد المطلب في وثاق المسلمين وأسرهم - فقال لهم: ليس لكم إلى ذلك سبيل؛ فإن الله - تعالى - وعدكم إحدى الطائفتين، وقد ظفرتم بالجيش؛ فليس لكم العير، فسكتوا.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) أي: متزاحفين والتزاحف: التداني من القتال، ومعناه: إذا تزاحفتم وتوافقتم * (فلا تولوهم الأدبار) أي: لا تنهزموا؛ فإن المنهزم يولي دبره إذا انهزم * (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) التحرف للقتال هو أن يرى الانهزام ويقصد به طلب الغرة والغيلة، وانتهاز الفرصة * (أو متحيزا إلى فئة) أي: مائلا إلى فئة * (فقد باء بغضب من الله) أي: رجع بغضب من الله * (ومأواه جهنم وبئس المصير) واستدلت المعتزلة بإطلاق قوله: * (ومأواه جهنم) في وعيد الأبد، ولا حجة لهم فيه؛ لأن معنى الآية: ومأواه جهنم إلا أن تدركه الرحمة؛ بدليل سائر الآي المقيدة.
قال الحسن البصري: الآية في أهل بدر خاصة، ما كان يجوز لهم الانهزام بحال؛ لأن النبي كان معهم ولم يكن لهم فئة يتحيزون إليها، فأما في حق غيرهم فالفرار من الزحف لا يكون كبيرة؛ لأن المسلمين بعضهم فئة لبعض، فيكون الفار متحيزا إلى فئة.
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»