* (فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (16) فلم تقتلوهم ولكن الله) * * وهذا مروي عن أبي سعيد الخدري - من الصحابة - ويشهد لذلك: قول عمر - رضي الله عنه - أنه قال: لما أصاب المسلمين يوم الجسر ما أصابهم وصبروا حتى قتلوا، قال عمر: هلا رجعوا إلي وكان إذا بعث جيشا بعد ذلك يقول: أنا فئة لكل مسلم.
ويدل عليه ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: ' غزونا غزو فحصنا حيصة، فقلنا: يا رسول الله، نحن الفرارون؟ فقال لا؛ بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم '.
وفي الآية قول آخر - وهو المذهب اليوم وعليه عامة الفقهاء - أنه إن كان الكفار أكثر من مثليهم جاز الفرار من الزحف؛ لقوله: * (الآن خفف الله عنكم) ولقوله: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ولو صبروا جاز، اللهم أن يعلموا قطعا أنه لا يمكنهم مقاومتهم، فحينئذ لا يجوز الصبر؛ لأنه يكون إلقاء لنفسه في التهلكة، وإن كان الكفار مثلي المسلمين أو دون المثلين لا يجوز الفرار من الزحف إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة - يعني: إلى فئة قريبة من الجيش مثل السرايا - والفرار من الزحف إنما يكون كثيره من هذه الصورة.
قوله تعالى: * (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) سبب هذا: أن المسلمين لما انصرفوا من قتال بدر، كان الواحد منهم يقول: أنا قتلت فلانا، ويقول الآخر: أنا قتلت فلانا؛ فلم يرض الله تعالى منهم ذلك، ونزلت الآية: * (فلم تقتلوهم) يعني: بقوتكم وعدتكم * (ولكن الله قتلهم) (بنصره) إياكم ومعونته لكم. وقيل معناه: ولكن الله قتلهم بسوقهم إليكم حتى ظفرتم بهم.