تفسير السمعاني - السمعاني - ج ١ - الصفحة ٣٦٣
* (منكم ويعلم الصابرين (142) ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (143) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (144) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته) * * (وأنتم تنظرون) ليعلم أن المراد بالرؤية ها هنا: التفكر، قاله الأخفش، وقيل: إنما قاله تأكيدا، وقيل: معناه: وأنتم تنظرون إلى محمد.
قوله تعالى: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) سبب نزول الآية أن المسلمين يوم أحد لما وقعت الهزيمة عليهم، ووقع القتل فيهم؛ صاح الشيطان - عليه ما يستحق -: ألا إن محمدا [قد] قتل، فقال المسلمون: خذوا لنا الأمان من أبي سفيان، وقال من كان في قلبه نفاق: ارجعوا إلى دينكم الأول، فإن محمدا قد قتل؛ فنزل قوله: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) يعني: هو على رسالته ونبوته مات أو قتل، فلم انقلبتم على أعقابكم؟! * (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) أي: إنما ضر نفسه، * (وسيجري الله الشاكرين).
وروى: أن [أنس بن النضر] ' لما سمع قول الشيطان: إن محمدا قتل، اخترط سيفه وتوجه إلى الكفار، وقال: إن قاتل محمد وقتل، ووصل إلى ما وصل، فأنا أقاتل حتى أقتل، وأصل إلى ما وصل إليه، فقاتل حتى قتل '.
وقال كعب بن مالك: أنا أول من رأى رسول الله يوم أحد بعد صياح الشيطان، عرفته بعينيه تحت المغفر، فقلت: هذا رسول الله حي، فأشار إلى أن اسكت '. @ 364 @ * (منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (145) و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين (146) وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في) * * قوله تعالى: * (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) تقديره: وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله بقضائه وقدره * (كتابا مؤجلا) تقديره: كتب كتابا مؤجلا.
(ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها) فإن قيل: نحن نرى من يريد الدنيا، فلا يؤتى؟ قيل: معناه: لا يمنع عنه ما قدر له من ثواب الدنيا بسبب كفره.
* (ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها) فإن قيل: وهل يؤتى ثواب الآخرة بمجرد الإرادة؟ قيل معناه: ومن يرد بالعمل، وهذا كما يقال: فلان يريد الجنة، أي: يعمل للجنة * (وسنجزي الشاكرين) يعني: المؤمنين، قال علي - رضي الله عنه -: أبو بكر إمام الشاكرين. أي: إمام المؤمنين، رضي الله عنه.
قوله تعالى: * (وكأين من نبي [قاتل] معه ربيون كثير) أي: وكم من نبي قتل قال جرير:
(وكأين بالأباطح من صديق * يراني إن أصبت هو المصابا) قال عكرمة: هذا وقف تام، ومعناه: كم نبي قتل ومعه أصحابه.
* (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله) أي: ما جبنوا * (وما ضعفوا وما استكانوا) أي: ما ذلوا، وما خضعوا، وقال الحسن: ما قتل نبي في معركة قط، وإنما معنى الآية: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، وأما القراءة الأخرى: ' قاتل معه فمعناه ظاهر، وأما الربيون قال ابن مسعود: هم ألوف، وقيل: هم عشرة آلاف. قال الحسن: الربيون من العلماء مأخوذ من الرب؛ لأنهم على دين الرب وطريقه.
قوله تعالى: * (والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا أغفر لنا ذنوبنا) أي: الصغائر * (وإسرافنا في أمرنا) أي: الكبائر، * (وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 365 366 367 368 369 ... » »»