* (الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل) * * ثم ابتدأ القتال مع المشركين، فظفر عليهم، وقتل جماعة من رؤسائهم، وانهزموا، ولاح الظفر للمسلمين، وساروا في أثرهم للغنيمة، فلما رآه الرماة، فقالوا: إن المشركين قد انهزموا، ولاح الظفر حتى نسير على أثرهم؛ ونغنم، فقال عبد الله بن جبير: لا تفارقوا هذا المكان؛ فإن رسول الله أمركم أن تلزموا هذا المكان، فالزموه، فاختلفوا عليه، وذهب أكثرهم، وبقي عبد الله بن جبير مع نفر قليل من أصحابه.
فلما عرى موضع الكمين عن الرماة، خرج عليهم خالد بن الوليد من الكمين، وحمل عليهم بالقتل، فاستشهد عبد الله بن جبير، ومن بقي معه، وعاد المشركون للقتال، ووقع القتل في المسلمين، وقتل منهم سبعون نفرا، وانهزم الباقون، وبقي مع رسول الله نفر قليل، فذلك قوله * (ولقد صدقكم الله وعده) أي: في الابتداء بالظفر والنصرة * (إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر) يعني: أولئك الرماة الذين اختلفوا، * (وعصيتم) يعني: عصيتم الرسول، وخالفتم أمره * (من بعد ما أراكم) يعني: من بعد أن أراكم الله تعالى * (ما تحبون) من الظفر * (منكم من يريد الدنيا) هم الذين ذهبوا للغنيمة، * (ومنكم من يريد الآخرة): الذين صبروا مع عبد الله بن جبير.
قال ابن مسعود: ما علمنا أن أحدا منا يريد الدنيا حتى أنزل الله هذه الآية.
* (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) يعني: في الوقعة الثانية حين عاد المشركون، وهذا دليل لأهل السنة على: أن أفعال العباد مخلوقة؛ حيث نسب الله تعالى هزيمة المسلمين إلى نفسه مع وقوع الفعل منهم، فقال: * (ثم صرفكم عنهم).
قوله تعالى: * (إذ تصعدون) ويقرأ: بفتح التاء والعين. فالإصعاد: هو المشي في مستو من الأرض، والصعود: المشي في مرتفع من الأرض.