قال قطرب من قرأ " * (والليل إذ أدبر) *): يريد أقبل، من قول العرب دبر فلان أي جاء خلفي، فكأنه دبر خلف النهار. قال أبو الضحى: كان ابن عباس يعيب على من يقرأ دبر ويقول: إنما يدبر ظهر البعير، وقال الفراء: هما لغتان دبر وأدبر. قال الشاعر:
صدعت غزالة قلبه بفوارس تركت مسامعه كأمس الدابر وقال أبو عمرو: دبر لغة قريش.
" * (والصبح إذا أسفر) *) قرأه العامة بالألف أي أضاء وأقبل، وقرأ ابن السميع وعيسى ابن الفضل سفر بغير ألف، وهما لغتان يقال: سفر وجه فلان وأسفر، إذا أضاء، ويجوز أن يكون من قولهم: سفرت المرأة إذا ألقت خمارها عن وجهها، ويحتمل أن يكون معناه نفي الظلام كما سفر البيت أي يكنس ويقال للمكنسة المسفرة.
" * (إنها لأحدى الكبر) *) يعني أن سفر لإحدى الأمور العظام وواحد الكبر كبرى: " * (نذيرا للبشر) *) يعني أن النار نذير للبشر قال الحسن: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها، وهو نصب على القطع من قوله: " * (لأحدى الكبر) *)؛ لأنها معرفة ونذيرا نكرة.
قال الخليل: النذير مصدر كالنكير، فلذلك وصف به المؤنث، وقيل: هو من صفة الله سبحانه مجازه: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة، نذيرا للبشر أي إنذارا لهم. قال أبو رزين: أنا لكم منها نذير فاتقوها، وقيل: هو صفة محمد (عليه السلام)، ومعنى الكلام: يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر فأنذر، وهو معنى قول ابن زيد، وقرأ إبراهيم عن أبي غيلة نذير للبشر بالرفع على إضمار هو.
" * (لمن شاء منكم أن يتقدم) *) في الخير والطاعة " * (أو يتأخر) *) عنها في الشر والمعصية نظيره ودليله " * (ولقد علمنا المستقدمين منكم) *) يعني في الخير " * (ولقد علمنا المستأخرين) *) عنه قاله الحسن، وهذا وعيد لهم كقوله: " * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) *) يعني أنه نذير لهما جميعا. " * (كل نفس بما كسبت رهينة) *) مرتهنة بكسبها مأخوذة بعملها. " * (إلا أصحاب اليمين) *) فإنهم لا يحاسبون ولا يرتهنون بذنوبهم ولكن يغفرها الله لهم ويتجاوزها عنهم كما وعدهم. قال قتادة: غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين واختلفوا فيهم.
فأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا ابن (شنبه) قال: حدثنا رضوان بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي اليقظان عن زاذان عن علي في قوله: " * (إلا أصحب اليمين) *) قال: هم أطفال المسلمين