وكان نفيل الخثعمي يورض له ما يكره فأمهل، فلما كان ليلة من الليالي لم ير أحدا يتحرك، فقام فجاء بعذرة فلطخ بها جبهته، وجمع جيفا وألقاها فيه، فأخبر إبرهة بذلك فغضب غضبا شديد وقال: إنما فعلت العرب غضبا لبيتهم، لأنقضنه حجرا حجرا، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ويسأله أن يبعث إليه بفيله محمود، وكان فيلا لم ير مثله في الأرض عظما وجسما وقوة، فبعث به إليه.
فلما قدم عليه الفيل سار إبرهة بالناس ومعه ملك حمير ونفيل بن حبيب الخثعمي، فلما دنا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس، فأصابوا إبلا لعبد المطلب، وكان نفيل صديقا لعبد المطلب فكلمه في إبله، فكلم نفيل إبرهة فقال: أيها الملك قد أتاك سيد العرب وأفضلهم قدرا وأقدمهم شرفا، يحمل على الجياد، ويعطي الأموال، ويطعم الناس، فأدخله على إبرهة، فقال: حاجتك؟ قال: ترد علي إبلي. فقال ما أرى ما بلغني عنك إلا الغرور، وقد ظننت أن تكلمني في بيتكم الذي هو شرفكم. فقال عبد المطلب: أردد علي إبلي ودونك البيت فإن له ربا سيمنعه.
فأمر برد إبله عليه، فلما قبضها قلدها النعال وأشعرها وجعلها هديا وثبتها في الحرم لكي يصاب منها شيء، فيغضب رب الحرم، وأوفى عبد المطلب على خيل ومعه عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم بن مطعم بن عدي، وأبو مسعود الثقفي، فقال عبد المطلب: اللهم إن المرء يمنع رحله وحلاله فامنع حلالك.
قال: فأقبلت الطير من البحر أبابيل، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره، وقذفت الحجارة عليهم، لا تصيب شيئا إلا هشمته إلا فقط ذلك الموضع، فكان ذلك أول ما رؤي من الجدري والحصبة والأشجار المرة فأهمدتهم الحجارة، وبعث الله سيلا عاتيا فذهب بهم إلى البحر فألقاهم فيه، وولى إبرهة ومن بقي معه هرابا، فجعل إبرهة يسقط عضوا عضوا.
وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا، وأما الفيل الآخر فشجع فحصب، ويقال: كانت اثني عشر فيلا.
قال ابن إسحاق: ولما رد الله الحبشة عن مكة عظمت العرب قريشا وقالوا: أهل الله، قاتل عنهم وكفاهم مؤونة عدوهم، وقال عبد الله بن عمر بن مخزوم في قصة أصحاب الفيل:
أنت الجليل ربنا لم تدنس أنت حبست الفيل بالمغمس من بعد ما هم بشر مبلس حبسته في هيئة المكركس وما لهم من فرج ومنفس