تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١٠ - الصفحة ٢٩٤
فنظر عبد المطلب فقال: أرى طيرا بيضا نشأت من شاطئ البحر قال: ارمقها ببصرك أين قرارها؟ قال: أراها قد أزرت على رؤوسنا. قال: هل تعرفها؟ قال: والله ما أعرفها ما هي نجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية وإنها لطير بأرضنا غير مؤنسة.
قال: ما قدها؟ قال: أشباه اليعاسيب في منقارها حصى كأنها حصى الحذق قد أقبلت كاليلل تكسع بعضها بعضا، أمام كل طير، يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، فجاءت حتى إذا حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم.
فلما توافت الرعال كلها أهالت الطير ما في مناقيرها على من تحتها، مكتوب في كل حجر اسم صاحبه، ثم إنها انصاعت من حيث جاءت، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل، فمشيا رتوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنيا رتوة فلم يسمعا حسا فقالا: بات القوم سامدين فأصبحوا نياما، فلما دنيا من عسكر القوم فإذا هم خامدون.
وكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى تقع في دماغه وتخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه، فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فؤوسهم فحفر حتى أعمق في الأرض فملأه من الذهب الأحمر والجوهر الجيد، وحفر لصاحبه فملأه ثم قال لأبي مسعود: هات خاتمك فاختر، إن شئت أخذت حفرتي وإن شئت أخذت حفرتك وإن شئت فهما لك معا.
فقال ابن مسعود: اخترتني على نفسك، فقال عبد المطلب: إني لم آل أن أجعل أجود المتاع في حفرتي فهو لك، وجلس كل واحد منهم على حفرته ونادى عبد المطلب في الناس فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا، وساد عبد المطلب بذلك قريش، وأعطته المقادة فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود في أهلهما في غنى من ذلك المال، ودفع الله عن كعبته وقبلته، فسلط جنودا لا قبل لهم بها.
وقال الواقدي بأسانيده: وجه إبرهة أرياط أبا ضخمة في أربعة آلاف إلى اليمن فغلب عليها؛ فأكرم الملوك واستذل الفقراء، فقام رجل من الحبشة يقال له: إبرهة الأشرم أبو يكسوم فدعا إلى طاعته فأجابوه، فقتل أرياط وغلب على اليمن، فرأى الناس يتجهزون للحج فقال: أين يذهب الناس؟ قال: يحجون بيت الله بمكة.
قال مما هو؟ قال: من حجارة. قال فما كسوته؟ قال مما يأتي من هنا وهناك.
قال: والمسيح لأبنين لكم خيرا منه فبنى لهم بيتا عمله بالرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود، وحلاه بالذهب والفضة، وحفه بالجواهر وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة، وجعل له حجابا، وكان يوقد بالمندلي ويلطخ جدره بالمسك فيسودها حتى تغيب الجواهر، وأمر الناس بحجه، فحجه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعبدون ويتألهون ونسكوا له.
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»