تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١٠ - الصفحة ٢٩١
ثم إن أبرهة بعث حائلة الحميري إلى أهل مكة فقال: سل عن شريفها، ثم أبلغه ما أرسلك به إليه، أخبره أني لم آت لقتال وإنما لأهدم هذا البيت، فانطلق حتى دخل مكة فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال: إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه، وإنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم.
فقال عبد المطلب: ماله عندنا ومالنا به نزال، سنخلي بينه وبين ما جاء له، فإن هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم (عليه السلام)، فإن يمسه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به قوة، قال: فانطلق معي إلى الملك، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة له كان عليها وركب معه بعض بنيه حتى قدم العسكر.
وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب فأتاه فقال: يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال: ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة وعشية، ولكني سأبعث لك إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فاسأله أن يصنع لك مثل الملك ما استطاع من خير، ويعظم خطرك ومنزلتك عنده.
قال: فأرسل إلى أنيس فأتاه فقال له: إن هذا سيد قريش وصاحب عير مكة، يطعم الناس في السهل والوحوش وفي رؤوس الجبل، وقد أصاب له الملك مائتي بعير فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه، فإنه صديق لي أحب ما يوصل إليه من الخير، فدخل أنيس على إبرهة فقال: أيها الملك هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال، يستأذن عليك، وأنا أحب أن تأذن له فيكلمك، وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فأذن له.
وكان عبد المطلب جسيما وسيما عظيما، فلما رآه إبرهة أعظمه وأكرمه وكره أن يجلس معه على سريره وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط فجلس عليه، ثم دعاه فأجلسه معه، ثم قال لترجمانه قل له: حاجتك إلى الملك؟ فقال له الترجمان ذلك.
فقال عبد المطلب: حاجتي إلى الملك أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي، فقال إبرهة لترجمانه: أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت فيك. قال: لم؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه، وتكلمني في مائني بعير أصبتها؟ قال عبد المطلب: أنا رب هذه الإبل ولهذا البيت رب سيمنعه.
قال: ما كان ليمنعه مني، قال: فأنت وذاك. فأمر بإبله فردت عليه.
قال ابن إسحاق: وكان فيما زعم بعض أهل العلم قد ذهب إلى إبرهة بعمر بن ناثة بن
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»