تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ١٣٨
قوسين أو أدنى، وأصل التدلى: النزول إلى الشيء حتى يقرب منه، فوضع موضع القرب، قال لبيد:
فتدليت عليه قافلا وعلى الأرض غيابات الطفل وهذا معنى قول أنس ورواية أبي سلمة عن ابن عباس.
وأخبرني عقيل بن محمد أن أبا الفرج البغدادي، أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة المسرى أنه عرج جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله (عز وجل) حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء، ودنو الله من العبد ودنو العبد منه بالرتبة والمكانة والمنزلة وإجابة الدعوة وإعطاء المنية، لا بالمكان والمسافة والنقلة، كقوله سبحانه: " * (فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) *).
وقال بعضهم: معناه: ثم دنا جبريل من ربه عز وجل فكان منه قاب قوسين أو أدنى، وهذا قول مجاهد، يدل عليه ما روي في الحديث: (إنه أقرب الملائكة من جبرائيل إلى الله سبحانه).
وقال الضحاك: ثم دنا محمد من ربه عز وجل فتدلى فأهوى للسجود، فكان منه قاب قوسين أو أدنى، وقيل: ثم دنا محمد من ساق العرش فتدلى، أي: جاور الحجب والسرادقات، لا نقلة مكان، وهو قائم بإذن الله كالمتعلق بالشيء لا يثبت قدمه على مكان، وهذا معنى قول الحسين بن الفضل.
ومعنى قوله " * (قاب قوسين) *) قدر قوسين عربيتين عن ابن عباس وعطاء، وألقاب والقيب والقاد والقيد عبارة عن مقدار الشيء، ونظيره من الكلام زير وزار. قال صلى الله عليه وسلم (لقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدينا وما فيها).
وقال مجاهد: معناه حيث الوتر من القوس، وقال سعيد بن المسيب: ألقاب صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه، ولكل قوس قاب واحد، فأخبر أن قرب جبرئيل من محمد صلى الله عليه وسلم عند الوحي كقرب قاب قوسين.
وقال أهل المعاني: هذا إشارة إلى تأكيد المحبة والقربة ورفع المنزلة والرتبة، وأصله أن
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»