تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ١٦٦
الناس جهدا شديدا، وإلياس على حالته مستخف من قومه يوضع له الرزق حيثما كان، وقد عرفه بذلك قومه، فكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في البيت قالوا: لقد دخل إلياس هذا المكان، فطلبوه ولقي منهم أهل ذلك المنزل شيئا.
قال ابن عباس: أصاب بني إسرائيل ثلاث سنين القحط، فمر إلياس بعجوز، فقال لها: هل عندك طعام؟ فقالت: نعم، شيء من دقيق وزيت قليل. قال: فدعا بهما ودعا فيه بالبركة ومسه حتى ملأ جرابها دقيقا وملأ خوابيها زيتا، فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عندها قالوا: من أين لك هذا؟ قالت: مر بي رجل من حاله كذا وكذا فوصفته بصفته، فعرفوه وقالوا: ذلك إلياس، فطلبوه فوجدوه فهرب منهم.
ثم إنه آوى ليلة إلى بيت امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له: اليسع بن أخطوب وكان به ضر، فآوته وأخفت أمره، فدعا له فعوفي من الضر الذي كان به، واتبع اليسع إلياس فآمن به وصدقه ولزمه، وكان يذهب به حيثما ذهب، وكان إلياس قد أسن وكبر، وكان اليسع غلاما شابا.
ثم إن الله سبحانه أوحى إلى إلياس: (إنك قد أهلكت كثيرا من الخلق ممن لم يعص سوى بني إسرائيل من البهائم والدواب والطير والهوام والشجر يحبس المطر من بني إسرائيل). فيزعمون والله أعلم أن إلياس قال: (يا رب دعني أكن أنا الذي أدعو لهم به، وآتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء الذي أصابهم لعلهم أن يرجعوا وينزعوا عما هم عليه من عبادة غيرك). قيل له: (نعم).
فجاء إلياس إلى بني إسرائيل فقال لهم: (إنكم قد هلكتم جوعا وجهدا، وهلكت البهائم والدواب والطير والهوام والشجر لخطاياكم، وإنكم على باطل وغرور، فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك فأخرجوا بأصنامكم (تلك) فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم، ودعوت الله ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء).
قالوا: أنصفت.
فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لهم ولم يفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء، ثم قالوا لإلياس (عليه السلام): يا إلياس إنا قد هلكنا فادع الله لنا. فدعا لهم إلياس ومعه اليسع بالفرج عنهم مما هم فيه، وأن يسقوا، فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر، وهم ينظرون،
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»