وأرجأنا أمرها حتى ينزل إلياس إلينا فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها، وكان ذلك مكرا من الملك. فانطلق الكاتب والفئة حتى علا الجبل الذي فيه إلياس، ثم ناداه، فعرف إلياس صوته، فتاقت نفسه إليه وأنس به، وكان مشتاقا إلى لقائه.
قال: وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى إلياس أن انزل إلى أخيك الصالح، فالقه وجدد العهد به. فنزل إليه وسلم عليه وصافحه وقال له: ما الخبر؟ فقال المؤمن: إنه بعثني إليك هذا الجبار الطاغية وقومه، ثم قص عليه ما قالوا، ثم قال له: إني لخائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني، فمرني بما شئت أفعله وأنتهي إليه، وإن شئت انقطعت إليك فكنت معك وتركته، وإن شئت جاهدته معك، وإن شئت ترسلني إليه بما تحب فأبلغه رسالتك، وإن شئت دعوت ربك فجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا.
قال: فأوحى الله سبحانه إلى إلياس أن كل شيء جاءك منهم مكر وكذب ليظفروا بك، وإن أجب إن أخبرته رسله أنك قد لقيت هذا الرجل ولم يأت بك إليه اتهمه وعرف أنه قد داهن في أمرك فلم يأمن أن يقتله فانطلق معه، فإن انطلاقك معه عذره وبراءته عند أجب، وإني سأشغل عنكما أجب، فأضاعف على ابنه البلاء حتى لا يكون له هم غيره ثم أميته على شر حال، فإذا مات هو فارجع عنه ولا تقم.
قال: فانطلق معهم حتى قدموا على أجب فلما قدموا عليه شدد الله الوجع على ابنه وأخذ الموت يكظمه فشغل الله بذلك أجب وأصحابه عن إلياس، ورجع إلياس سالما إلى مكانه. فلما مات ابن أجب، وفرغوا من أمره وقل جزعه، انتبه لإلياس وسأل عنه الكاتب الذي جاء به، فقال: ليس لي به علم وذلك أنه شغلني عنه موت ابنك والجزع عليه ولم أكن أحسبك إلا وقد استوثقت منه. فأضرب عنه أجب وتركه لما كان فيه من الجزع على ابنه.
فلما طال الأمر على إلياس مل المكث في الجبال والمقام بها واشتاق إلى العمران والناس، نزل من الجبل وانطلق حتى نزل بامرأة من بني إسرائيل، وهي أم يونس بن متى ذي النون، فاستخفى عندها ستة أشهر ويونس بن متى يومئذ مولود يرضع، وكانت أم يونس تخدمه بنفسها وتواسيه بذات يدها ولا تدخر عنه كرامة تقدر عليها.
قال: ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت بعد تعوده فسحة الجبال دوحها فأحب اللحوق بالجبال، فخرج وعاد إلى مكانه، فجزعت أم يونس لفراقه (وأوحشها) فقده ثم لم تلبث إلا