تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ١٦٣
فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم أجمعين.
قال: وبلغ أجب وقومه الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء، واحتال ثانيا في أمر إلياس، وقيض فئة أخرى مثل عدد أولئك، أقوى منهم وأمكن من الحيلة والرأي فأقبلوا حتى توغلوا (في) تلك الجبال. متفرقين، وجعلوا ينادون: يا نبي الله إنا نعوذ بالله وبك من غضب الله وسطواته، إنا لسنا كالذين أتوك قبلنا، إن أولئك فرقة نافقوا وخالفوا، فصاروا إليك ليكيدوا بك من غير رأينا ولا علمنا، وذلك أنهم حسدونا وحسدوك وخرجوا إليك سرا، ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤونتهم، والآن فقد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم بسوء نياتهم وانتقم دونك منهم. فلما سمع إلياس مقالتهم دعا الله بدعوته الأولى، فأمطر عليهم النار فاحترقوا عن آخرهم.
وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه كما وعده الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه إلياس، لا يقضى عليه فيموت ولا يخفف عنه من عذابه، فلما سمع الملك بهلاك أصحابه ثانيا ازداد غضبا إلى غضب، وأراد أن يخرج في طلب إلياس بنفسه إلا أنه شغله عن ذلك مرض ابنه، فلم يمكنه، فوجه نحو إلياس الكاتب المؤمن الذي هو كاتب امرأته، رجاء أن يأنس به إلياس، فينزل معه وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سوءا، وإنما أظهر له ذلك لما اطلع عليه من إيمانه، وأن الملك مع اطلاعه على إيمانه كان مغضيا عنه فيه؛ لما هو عليه من الأمانة والكفاءة والحكمة وسداد الرأي والبصر بالأمور فلما وجهه نحوه أرسل معه فئة من أصحابه، وأوعز إليهمدون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوه به إن أراد التخلف عنهم، وإن جاء مع الكاتب واثقا به آنسا لمكانته لم يوحشوه ولم يروعوه. ثم أظهر للكاتب الإنابة، وقال له: إنه قد آن لي أن أتوب واتعظ، وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا، والبلاء الذي فيه ابني، وقد عرفت أن ذلك بدعوة إلياس، ولست آمن أن يدعو على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته، فانطلق لنا إليه وأخبره أنا قد تبنا وأنبنا، وإنه لا يصلحنا في توبتنا، وما نريد من رضا ربنا وخلع أصنامنا إلا أن يكون إلياس بين أظهرنا، يأمرنا وينهانا، ويخبرنا بما يرضي ربنا.
قال: وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام وقال له: أخبر إلياس أنا قد خلعنا آلهتنا التي كنا نعبد
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»