الشعاب والكهوف يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر، وهم في طلبه قد وضعوا عليه العيون، يتوقعون أخباره ويجتهدون في أخذه، والله سبحانه وتعالى يستره ويدفع عنه. فلما تم له سبع سنين أذن الله تعالى في إظهاره عليهم وشفاء غيظه منهم، فأمرض الله سبحانه ابنا لأجب وكان أحب ولده إليه، وأعزهم عليه، وأشبههم به فأدنف حتى يئس منه، فدعا صنمه بعلا وكانوا قد فتنوا ببعل وعظموه، حتى جعلوا له أربعمئة سادن فوكلوهم به وجعلوهم أمناءه، فكان الشيطان يدخل في جوف الصنم فيتكلم بأنواع الكلام، وأربعمئة يصغون بآذانهم إلى ما يقول الشيطان، ويوسوس إليهم الشيطان بشريعة من الضلال فيكتبونها للناس فيعملون بها، ويسمونهم الأنبياء.
فلما اشتد مرض ابن الملك طلب إليهم الملك أن يتشفعوه إلى بعل ويطلبوا لابنه من قبله الشفاء والعافية فدعوه فلم يجبهم، ومنع الله بقدرته الشيطان عن صنمهم فلم يمكنه الولوج في جوفه ولا الكلام، وهم مجتهدون في التضرع إليه وهو لا يزداد إلا خمودا. فلما طال عليهم ذلك قالوا لأجب: إن في ناحية الشام آلهة أخرى، وهي في العظم مثل إلهك، فابعث إليها الأنبياء ليشفعوا لك إليها، فلعلها أن تشفع لك إلى إلهك بعل، فإنه غضبان عليك، ولولا غضبه عليك لكان قد أجابك وشفى لك ابنك.
قال أجب: ومن أجل ماذا غضب علي، وأنا أطيعه وأطلب رضاه منذ كنت، لم أسخطه ساعة قط؟ قالوا: من أجل أنك لم تقتل إلياس، وفرطت فيه حتى نجا سليما، وهو كافر بإلهك، يعبد غيره، فذلك الذي أغضبه عليك. قال أجب: وكيف لي أن أقتل إلياس يومي هذا، وأنا مشغول عن طلبه بوجع ابني؟ فليس لإلياس مطلب، ولا يعرف له موضع فيقصد، فلو عوفي ابني تفرغت لطلبه، ولم يكن لي هم ولا شغل غيره حتى آخذه فاقتله، فأريح إلهي منه وأرضيه.
قال: ثم إنه بعث أنبياءه الأربعمئة ليشفعوا إلى الآلهة. التي بالشام، ويسألوها أن تشفع إلى صنم الملك ليشفي ابنه. فانطلقوا حتى إذا كانوا بحيال الجبل الذي فيه إلياس، أوحى الله سبحانه إلى إلياس أن يهبط من الجبل ويعارضهم ويستوقفهم ويكلمهم، وقال له: (لا تخف فإني سأصرف عنك شرهم، وألقي الرعب في قلوبهم) فنزل إلياس من الجبل، فلما لقيهم استوقفهم، فلما وقفوا، قال لهم: (إن الله سبحانه أرسلني إليكم وإلى من وراءكم، فاسمعوا أيها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم، فارجعوا إليه وقولوا له: إن الله يقول لك: ألست تعلم يا أجب