تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ١٦٢
أني أنا الله لا إله إلا أنا إله بني إسرائيل الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم، أفجهلك وقلة علمك حملك على أن تشرك بي، وتطلب الشفاء لابنك من غيري ممن لا يملكون لأنفسهم شيئا إلا ما شئت؟ إني حلفت باسمي لأغيظنك في ابنك ولأميتنه في فوره هذا حتى تعلم أن أحدا لا يملك له شيئا دوني).
فلما قال لهم هذا رجعوا، وقد ملئوا منه رعبا، فلما صاروا إلى الملك قالوا له ذلك وأخبروه بأن إلياس انحط عليهم وهو رجل نحيف طويل، قد قشف وقحل وتمعط شعره وتقشر جلده، عليه جبة من شعر وعباءة قد خللها على صدره بخلال، فاستوقفنا، فلما صار معنا قذفت له في قلوبنا الهيبة والرعب، وانقطعت ألسنتنا، ونحن في هذا العدد الكبير وهو واحد، فلم نقدر على أن نكلمه ونراجعه ونملأ أعيننا منه، حتى رجعنا إليك، وقصوا عليه كلام إلياس، فقال أجب: لا ينتفع بالحياة ما كان إلياس حيا، ما الذي منعكم أن تبطشوا به حين لقيتموه وتوثقوه وتأتوني به، وأنتم تعلمون أنه طلبي وعدوي؟ فقالوا: قد أخبرناك ما الذي منعنا منه ومن كلامه والبطش به. قال أجب: ما يطاق إذن إلياس إلا بالمكر والخديعة.
فقيض له خمسين رجلا من قومه من ذوي القوة والبأس، وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال عليه والاعتناء به، وأن يطمعوه في أنهم قد آمنوا به هم ومن وراءهم ليستنيم إليهم ويغتر بهم فيمكنهم من نفسه، فيأتوا به ملكهم. فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس (عليه السلام)، ثم تفرقوا فيه وهم ينادونه بأعلى أصواتهم، ويقولون: يا نبي الله ابرز لنا وأشرف بنفسك فإنا قد آمنا بك وصدقناك، وملكنا أجب وجميع قومنا، وأنت آمن على نفسك، وجميع بني إسرائيل يقرؤون عليك السلام ويقولون: قد بلغتنا رسالة ربك وعرفنا ما قلت وآمنا بك، وأجبناك إلى ما دعوتنا فهلم إلينا، فأنت نبينا ورسول ربنا، فأقم بين أظهرنا واحكم فينا، فإنا ننقاد لما أمرتنا وننتهي عما نهيتنا، وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا وطاعتنا، فتداركنا وارجع إلينا، وكل هذا كان منهم مماكرة وخديعة.
فلما سمع إلياس مقالتهم وقعت بقلبه، وطمع في إيمانهم وخاف الله، وأشفق من سخطه إن هو لم يظهر ولم يجبهم بعد الذي سمع منهم، فلما أجمع على أن يبرز لهم، رجع إلى نفسه فقال: (لو أني دعوت الله سبحانه وتعالى وسألته أن يعلمني ما في أنفسهم ويطلعني على حقيقة أمرهم)، وذلك أن الله سبحانه وفقه وألهمه التوقف والدعاء والتحرز، فقال: (اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فائذن لي في البروز إليهم، وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم).
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»