تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ٢٩٣
وقال أبو سعيد الخدري ومقاتل: لما كان يوم بدر غلب المسلمون كفار مكة وأتاهم الخبر أن الروم قد غلبوا فارس ففرح المؤمنون بذلك. قال الشعبي: لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بينهم، أهل مكة وصاحب قمارهم أبي بن خلف، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر، وذلك قبل تحريم القمار حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر أبو بكر أبيا، وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (تصدق به).
وكان سبب غلبة الروم فارس على ما قال عكرمة وغيره أن شهريراز بعدما غلب الروم لم يزل يطأهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريراز: إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان.
فكتب إليه: أيها الملك إنك لم تجد مثل فرخان، إن له نكاية وصوتا في العدو فلا تفعل، فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفا منه فعجل إلي برأسه، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس إني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان. ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز وقال: إذا ولي فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه، فلما قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعا وطاعة ونزل عن سريره وجلس فرخان فدفع إليه الصحيفة فقال: ائتوني بشهريراز فقدمه ليضرب عنقه.
قال: لا تعجل حتى أكتب وصيتي، قال: نعم، قال: فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فيه كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد، فرد الملك إلى أخيه. فكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم: إن لي إليك حاجة لا يحملها البريد ولا تبلغها الصحف فألقني ولا تلقني إلا في خمسين روميا فأني ألقاك في خمسين فارسيا.
فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق وخاف أن يكون قد مكر به حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ومع كل واحد منهما سكين، فدعيا بترجمان بينهما فقال شهريراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا ومكرنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت.
ثم أمر أخي أن يقتلني. فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك، قال: قد أصبتما ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما (فأديلت) الروم على فارس عند ذلك فأتبعوهم يقتلونهم ومات كسرى.
وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه يوم الحديبية ففرح ومن معه، فذلك قوله عز
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»