والرابع: إن النار سبب العذاب وهي عذاب الله لإعدائه وليس التراب سببا للعذاب.
والخامس: إن الطين (يسقى) من النار والنار محتاجة إلى المكان ومكانها التراب.
فقال الله له: " * (قال فاهبط منها) *) أي من الجنة، وقيل: من السماء إلى الأرض فألحقه بجزائر البحور وإنما سلطانه وعظمته في خزائن البحور وعرشه في البحر الأخضر فلا يدخل في الأرض إلا لهبة السارق عليه أطمار تروع فيها (من يخرج) منها " * (فما يكون لك) *) فليس لك أن " * (تتكبر فيها) *) في الجنة، وليس ينبغي أن يسكن الجنة ولا السماء (متكبر) ولا بخلاف أمر الله عز وجل " * (فأخرج إنك من الصاغرين) *) الأذلاء والصغر الذل والمهانة قال إبليس عند ذلك " * (قال أنظرني) *) أخرني واجلني وأمهلني ولا تمتني " * (إلى يوم يبعثون) *) من قبورهم وهو النفخة الأخيرة عند قيام الساعة، أراد الخبيث أن لا يذوق الموت، " * (قال إنك من المنظرين) *) المؤخرين.
ثم بين مدة النظر والمهلة في موضع آخر، فقال " * (إلى يوم الوقت المعلوم) *) وهي النفخة الأولى حين ثبوت الخلق كلهم " * (قال فبما أغويتني) *). اختلفوا في ما قال: فبعضهم قال: هو استفهام يعني فبأي شيء أغويتني ثم ابتدأ فقال " * (لأقعدن لهم) *) فقيل: هو ما الجزاء يعني فإنك أغويتني لأجل أنك أغويتني لأقعدن، وقيل: هو ما المصدر في موضع القسم تقديره: بإغوائك إياي لأقعدن كقوله " * (بما غفر لي) *) يعني بغفران ربي.
وقوله أغويتني أضللتني عن الهدى. وقيل: أهلكتني، من قول العرب غوى الفصيل (يعني) غوي وذلك إذا فقد اللبن فمات. قال الشاعر:
معطفة الأثناء ليس فصيلها برازئها درا ولا ميت غوى وحكى عن بعض قبائل طي أنها تقول: أصبح فلان غاويا أي مريضا غارا، وقال محمد بن جرير: أصل الإغواء في كلام العرب تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسنه عنده غارا له.
قال الثعلبي: وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد الحسين بن هاني قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد (الراوساني) قال: حدثنا علي بن سلمة قال: حدثنا أبو معاوية الضرير عن رجل لم يسم قال: كنت (عند) طاووس في المسجد الحرام فجاء رجل ممن يرمي القدر من كبار الفقهاء فجلس إليه فقال طاووس: (يقوم أو يقام) فقام الرجل فقال لطاووس: تقول هذا الرجل فقيه، فقال إبليس: أفقه منه بقول إبليس رب بما أغويتني ويقول: هذا أنا أغوي نفسي