تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٨
سجدت وأستأذنت من أن تطلع لم يجئ لها جواب حتى يراقبها القمر (فيجيء معها) ويستأذن من أن تطلع فلا يجاب لهما بجواب حتى تحبسا مقدار ثلاث ليالي للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف طول تلك الليالي إلا المتهجدون في الأرض، وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين في هوان من الناس وذلة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي، ثم يقوم ويتوضأ ويدخل مصلاه فيصلي ورده، فلا يصبح نحو ما كان يصبح كل ليلة فينكر ذلك فيخرج فينظر إلى السماء فإذا هو بالليل فكأنه والنجوم قد استدارت مع السماء فصارت إلى أماكنها من أول الليل، فينكر ذلك ويظن فيها الظنون فيقول: قد خففت قراءتي وقصرت صلواتي أم قمت قبل حيني.
قال: ثم يقوم فيعود إلى مصلاة فيصلي نحو صلاته الليلة الثانية ثم ينظر فلا يرى الصبح فيخرج أيضا فإذا بالليل مكانه فيزيده ذلك إنكارا ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من السوء، ثم يقول فلعلي قصرت صلواتي ثم خففت قراءتي (أم قمت) في أول الليل ثم يعود وهو وجل مشتت خائف لما توقع من هول تلك الليلة فيقوم فيصلي أيضا مثل (ورده) كل ليلة قبل ذلك، ثم ينظر فلا يرى الصبح فيخرج الثالثة فينظر إلى السماء فإذا بالنجوم قد استدارت مع السماء فصارت في أماكنها عند أول الليل فيشفقه عند ذلك شفقة المؤمن العارف لما كان يحذر فيستحييه الخفة ويستخفه الندامة، ثم ينادي بعضهم بعضا وهم كانوا قبل ذلك يتعارفون ويتواصلون فيجتمع المتهجدون من كل بلدة في تلك الليلة في مسجد من مساجدهم ويجأرون إلى الله تعالى بالبكاء ويصلوا بقية تلك الليلة.
فإذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله إليهما جبرائيل فيقول: إن الرب تبارك وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه وإنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور فيبكيان عند ذلك وجلا من الله عز وجل وخوف يوم القيامة بكاء يسمعه أهل سبع سماوات ومن دونها وأهل سرادقات العرش وحملته ومن فوقهما، فيبكون جميعا لبكائهما من خوف الموت والقيامة، فيرجع الشمس والقمر فيطلعان من مغربهما فبينما المتهجدون يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل، والغافلون في غفلاتهم إذ نادى مناد: ألا إن الشمس والقمر قد طلعا من المغرب فينظر الناس فإذا هم بهما أسودان لا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك. فذلك قوله " * (وجمع الشمس والقمر) *) وقوله " * (إذا الشمس كورت) *) فيرتفعان كذلك مثل البعيرين القرنين ينازع كل واحد منهما صاحبه اشتياقا، ويتصايح أهل الدنيا وتدخل الأمهات على أولادها والأحبة عن غمرات قلوبها، فتشتغل كل نفس بما ألمها، فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ فيكتب لهم ذلك عبادة، وأما الفاسقون والفجار فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»