إبراهيم (عليه السلام) مسترشدا متحيرا طالبا من التوفيق حتى وفقه الله تعالى، وآتاه رشده، فإنما كان هذا منه في حال طفولته، وقبل قيام الحجة عليه وفي تلك يقول: لا يكون كفر ولا إيمان.
يدل عليه ما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فعبده حتى غاب فلما غاب " * (قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي) *) فعبده حتى غاب فلما غاب " * (فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) *) فعبدها حتى غابت الشمس فلما غابت " * (قال: يا قوم إني بريء مما تشركون) *).
وأنكر الآخرون هذا القول، وقالوا: غير جائز أن يكون لله عز وجل رسول يأتي عليه وقت من الأوقات وهو غير موحد وعارف ومن كل معبود سواه بريء.
قالوا: وكيف قومهم هذا على عصمة الله وطهره في مستقره ومستودعه وآتاه رشده من قبل، وأراه ملكوته فقال: " * (إذ جاء ربه بقلب سليم) *) وقال " * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) *) رأى كوكبا فقال " * (هذا ربي) *) على الاعتقاد والحقيقة هذا ما لا يكون أبدا.
ثم قيل فيه أربعة أوجه من التأويل: الوجه الأول: أن إبراهيم (عليه السلام) أراد أن يستدرجهم بهذا القول ويعرفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظموا ويقيم عليهم الحجة ويريهم أنه معظم ما يعظموه ويلتمس الهدى من حيث التمسوا فلما أفل رأيهم النقص الداخل في النجوم ليتبينوا خطأ ما يدعون وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمونها.
قالوا: ومثل هذا مثل الحواري الذي ورد على قوم يعبدون بدا لهم وهو الصنم وأظهر فعظمه فأراهم الإجتهاد (...) كرموا وصدوا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن ذمهم عدو لهم خافه الملك على ملكه فشاور الحواري في أمره.
فقالوا الرأي: أن تدعوا إلهنا حتى يكشف ما قد أضلنا فإنا لمثل هذا اليوم مجتمعون فاجتمعوا حوله يجأرون ويتضرعون وأمر عدوهم يستعجل ويتوكل فلما تبين لهم أن ربهم لا ينفع ولا يرفع فقال لهم على جهة الاستفهام والتوبيخ لفعلهم " * (هذا ربي) *) ومثل هذا يكون ربا؟ أي ليس هذا ربي كقول الله تعالى " * (تكونا من الخالدين) *) يعني أنهم الخالدون.