إسحاق بن يسار عن أبيه عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، وعن حميد الطويل عن أنس بن مالك وغيرهم من أهل العلم قالوا: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة وكان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأهدى إليه هدية، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال: (يا أبا براء أنا لا أقبل هدية مشرك فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك) ثم عرض عليه، وأخبره بما له فيها وما وعد الله المؤمنين من الثواب، وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد وقال: يا محمد إن أمرك هذا الذي تدعو إليه حسن جميل، فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أخشى عليهم أهل نجد) فقال أبو براء: أنا لهم جار أي هم في جواري فابعثهم ليدعوا الناس إلى أمرك. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين، فيهم الحارث بن الضمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهير مولى أبي بكر، وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد، فساروا حتى نزلوا بين معونة وهي أرض بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، فلما نزلوها قال بعضهم لبعض: أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء؟ فقال حرام بن ملحان: أنا، فخرج بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي عامر بن الطفيل وكان على ذلك الماء، فلما أتاهم حرام بن ملحان لم ينظر عامر بن الطفيل في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حرام: يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله إليكم وإني أشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله.
فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر، فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة. ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا: لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا. فاستصرخ قبائل من بني سليم عصبة ورعيل وذكوان فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوهم في رجالهم، فلما رأوهم أخذوا السيوف ثم قاتلوهم حتى قتلوا من آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق.
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف، فلم ينبههما على مصاف أصحابهما إلا الطير يحوم على العسكر فقالا: والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا إليه فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني