قال الكلبي: يعني على محمد صلى الله عليه وسلم " * (والرسول يدعوكم في أخراكم) *) أي في آخركم ومن ورائكم إلي عباد الله فأنا رسول الله من بكر فله الجنة، يقال: جاء فلان في آخر الناس وآخرة الناس واقرى الناس وأخراة الناس وأخريات الناس، فجاز لكم جعل الإنابة بمعنى العقاب وأصلها في الحسنات كقوله: " * (فبشرهم بعذاب أليم) *).
قال الشاعر:
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه أداهم سودا أو محدرجة سمرا يعني بالسود: القيود والسياط وكذلك معنى الآية، جعل مكان الثواب الذي كنتم ترمون غما بغم.
قال الحسن: يعني بغم المشركين يوم بدر.
وقال آخرون: الباء بمعنى على، أي غما على غم، وقيل: غما بغم، فالغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة، والغم الثاني ما نالهم من القتل والهزيمة، وقيل: الغم الأول انحراف خالد ابن الوليد عليهم بخيل من المشركين، والغم الثاني حين أشرف عليهم أبو سفيان، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة، فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه فقال: (أنا رسول الله) ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح النبي حين رأى في أصحابه من يمتنع، فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا، فأقبل أبو سفيان وأصحابه حتى وقفوا بباب الشعب، ثم أشرف عليهم، فلما نظر المسلمون إليهم، همهم ذلك وظنوا أنهم سوف يميلون عليهم فيقتلونهم، فأنساهم هذا ما نالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس لهم أن يعلونا، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد في الأرض) ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم فنزلوا سريعا.
" * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) *) من الفتح والغنيمة " * (ولا ما أصابكم) *) (ما) في موضع خفض أي: ولا على ما أصابكم من القتل والهزيمة حين أنساكم ذلك هذا الغم، وهمكم ما أنتم فيه غما قد أصابكم قبل.
فقال الفضل: (لا) صلة معناه: لكي تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم عقوبة لكم في خلافكم إياه، وترككم المركز كقوله: " * (لئلا يعلم أهل الكتاب) *)) .