تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ١٨٤
بالسيف حتى ولوا هاربين وانكشفوا منهزمين، فذلك قوله: " * (إذ تحسونهم بإذنه) *) أي تقتلونهم قتلا ذريعا سريعا شديدا.
قال الشاعر:
حسسناهم بالسيف حسا فأصبحت بقيتهم قد شردوا وتبددوا وقال أبو عبيدة: الحس الاستيصال بالقتل، يقال: جراد محسوس إذا قتله البرد، وسنة حسوس إذا أتت على كل شيء.
قال روبة:
إذا شكونا سنة حسوسا تأكل بعد الأخضر اليبيسا " * (حتى إذا فشلتم) *)، قال بعض أهل المعاني: يعني إلى أن فشلتم، جعلوا (حتى) غاية بمعنى إلى، وحينئذ لا جواب له.
وقال الآخرون: هو بمعنى فلما وفي الكلام تقديم وتأخير قالوا: وفي قوله: " * (وتنازعتم) *) مقحمة زائدة، ونظم الآية: حتى إذا تنازعتم " * (في الأمر وعصيتم) *) وفشلتم أي جبنتم وضعفتم، ومعنى التنازع الاختلاف، وأصله من نزع القوم الشيء بعضهم من بعض، وكان اختلافهم أن الرماة تكلموا حين هزم المشركون وقالوا: انهزم القوم فما مقامنا، وقال بعضهم: لا تجاوزوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة وانطلق الباقون ينهبون، فلما نظر خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل إلى ذلك، حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه وأقبلوا على المسلمين، وحالت الريح فصارت دبورا بعد ما كانت صبا، وانتفضت صفوف المسلمين، فاختلطوا وجعلوا يقتتلون على غير شعار، فقتل بعضهم بعضا وما يشعرون من الدهش، ونادى إبليس ألا إن محمدا قد قتل، وكان ذلك سبب هزيمة المؤمنين.
" * (من بعد ما أراكم ما تحبون) *) يا معشر المؤمنين ما تحبون هو الظفر والغنيمة " * (منكم من يريد الدنيا) *) يعني الذين تركوا المركز فاقبلوا إلى النهب " * (ومنكم من يريد الآخرة) *) يعني الذين ثبتوا مع ابن جبير حتى قتلوا.
وقال عبد الله بن مسعود: ما شعرت أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد فنزلت هذه الآية " * (ثم صرفكم عنهم) *) أي ردكم عنهم بالهزيمة " * (ليبتليكم ولقد عفا عنكم) *) فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة، قاله أكثر المفسرين، ونظيره: " * (ثم عفونا عنكم) *).
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»