تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ١٨٧
" * (والله خبير بما تعملون ثم أنزل عليكم من بعد الغم) *)، روى عبد الله بن الزبير بن العوام عن أبيه قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف أرسل الله علينا النوم، والله لا نسمع قول مصعب بن عمير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا، فأنزل الله تعالى " * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم) *) يا معشر المؤمنين وأهل اليقين، " * (أمنة) *) يعني أمنا، وهي مصدر كالعظمة والغلبة، وقرأ ابن محيصن: أمنة بسكون الميم.
" * (نعاسا) *) بدل من الأمنة " * (يغشى طائفة منكم) *)، قرأ ابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف: (تغشي) بالتاء ردا إلى الأمنة، وقرأ الباقون: بالياء ردا إلى النعاس، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، قال أبو عبيد: لأن النعاس يلي الفعل، فالتذكير أولى به مما بعد منه.
قال ابن عباس: آمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم بعد فرق، وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام، ونظيره في سورة الأنفال في قصة بدر.
روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت ما أرى أحدا من القوم إلا وهو يميد تحت جحفته من النعاس.
قال أبو طلحة: وكنت ممن ألقي عليه النعاس يومئذ، وكان السيف يسقط من يدي فآخذه، ثم يسقط السوط من يدي من النوم فآخذه.
" * (وطائفة) *) يعني المنافقين، وهب بن قشير وأصحابه، وهو رفع على الابتداء وخبرها في قوله: " * (ويظنون) *) * * (قد أهمتهم أنفسهم) *) أي حملتهم على الهم، يقال: أمر مهم، ومنه قول العرب: همك ما أهمك.
" * (يظنون بالله غير الحق) *) أي لا ينصر محمدا، وقيل: ظنوا أن محمدا قد قتل " * (ظن الجاهلية) *) أي كظن أهل الجاهلية والشرك " * (يقولون هل لنا) *) أي ما لنا، لفظ استفهام ومعناه هل " * (من الأمر من شيء) *) يعني النصر " * (قل إن الأمر كله لله) *).
قرأ أبو عمرو ويعقوب: (كله) على الرفع بالابتداء وخبره في قوله: لله وصار هذا الابتداء والجملة خبرا لإن، كما يقول: إن عبد الله وجهه حسن، فيكون عبد الله مبتدأ ووجهه ابتداء ثانيا وحسن خبره، وجملة الكلام خبر للابتداء الأول.
وقرأ الباقون: (كله) بالنصب على البدل، وقيل: على النعت.
وروى مجاهد عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: " * (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) *) يعني به التكذيب بالقدر، وذلك أنهم يظنوا في القدر، فقال الله عز وجل: " * (إن الأمر كله لله) *) يعني القدر خيره وشره من الله وهو قولهم: " * (لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»