تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ١٥
" * (إلا الذين ظلموا) *) وهم قريش واليهود وأما قريش فتقول إنما رجع إلى الكعبة لأنه عليم أنها قبلة آبائه وهي الحق وكذا يرجع إلى ديننا ويعلم أنه الحق، وأما اليهود فإنهم يقولون لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حق إلا إنه إنما يفعل برأيه فيزعم إنه أمر به، وهذا القول اختيار المفضل بن سلمة الضبي وهو قول صحيح مرضي.
وقال قوم: معنى الآية " * (لئلا يكون للناس عليكم) *) يعني لأهل الكتاب عليكم حجة وكانت حجتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صلاتهم نحو بيت المقدس إنهم كانوا يقولون: ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن، وقولهم: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا فهذه الحجة التي كانوا يحتجون بها على المؤمنين على وجه الخصومة والتموية بها على الجهال من المشركين ثم قال " * (إلا الذين ظلموا) *) وهم مشركوا مكة وحجتهم إنهم قالوا: لما صرفت القبلة إلى الكعبة أن محمدا قد تحير في دينه فتوجه إلى قبلتنا وعلم إنا أهدى سبيلا منه وانه لا يستغني عنا ويوشك أن يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، وهذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والربيع والسدي واختيار محمد بن جرير.
وعلى هذين القولين إلا استثناء صحيح على وجه نحو قولك: ما سافر أحد من الناس إلا أخوك فهو إثبات للأخ من السفر، وما هو منفي عن كل أحد من الناس، وكذلك قوله تعالى " * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا) *) من قريش نفي عن أن يكون لأحد حجة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بسبب تحولهم إلى الكعبة " * (إلا الذين ظلموا) *) من قريش فإن لهم قبلهم حجة لما ذكرنا.
ومعنى الحجة في هذين القولين: الخصومة والجدل، والدعوى بالباطل كقوله " * (لا حجة بيننا وبينكم) *): أي لا خصومة، وقوله " * (أتحاجوننا في الله) *) وليحاجوكم وتحاجون وحاججتم كلها بمعنى المجادلة والمخاصمة لا بمعنى الدليل والبرهان، وموضع الذين خفض كأنه قال: إلا للذين ظلموا. فلما سقطت اللام حلت ( الذين) محلها قاله الكسائي.
قال الفراء: موضعه نصب بالاستثناء، وإنما (......) منهم رد إلى لفظ الناس؛ لأنه عام، وإن كان كل واحد منهم غير الآخر والله أعلم، وقال بعضهم: هو استثناء منقطع من الكلام الأول ومعناه إلا يكون للناس كلهم عليكم حجة اللهم إلا الذين ظلموا فإنهم يحاجونكم في الباطل ويجادلونكم بالظلم، وهذا كما يقول للرجل: الناس كلهم لك سامرون إلا الظالم لك: يعني لا (......) ذلك بتركه حمدك لعداوته لك، وكقولك للرجل: مالك عندي حق
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»