أحدهما: إن يثبت خط الآية، وينسخ علمها والعمل بها. كقول ابن عباس في قوله " * (ما ننسخ من آية) *) قال: ثبت خطها وتبدل حكمها. ومنها رفع تلاوتها وبقاء حكمها مثل آية الرجم.
الثاني: أن ترفع الآية أصلا أي تلاوتها وحكمها معا فتكون خارجة من خط الكتاب، وبعضها من قلوب الرجال أيضا، والشاهد له ما روي أبو أمامة سهل بن حنيف في مجلس سعيد ابن المسيب: إن رجلا كانت معه سور. فقام يقرأها من الليل فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرأها. فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرأها فلم يقدر عليها. فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: يا رسول الله قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها، وقال الآخر: يا رسول الله ما جئت إلا لذلك، وقال الآخر: وأنا يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنها نسخت البارحة).
ثم إعلم أن النسخ إنما يعترض على الأوامر والنواهي دون الأخبار؛ إذا نسخ صار المخبر كذابا، وإن اليهود حاولوا نسخ الشرائع وزعموا إنه بداء فيقال لهم: أليس قد أباح الله تزويج الأخت من الأخ ثم حظره وكذلك بنت الأخ وبنت الأخت؟ أليس قد أمر إبراهيمج بذبح ابنه، ثم قال له لا تذبحه؟
أليس قد أمر موسى بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد العجل منهم وأمرهم برفع السيف عنهم؟ أليست نبوة موسى غير متعبد بها، ثم تعبد بذلك؟ أليس قد أمر حزقيل النبي بالختان، ثم نهاه عنه؟ فلما لم يلحقه بهذه الأشياء بداء فكذلك في نسخ الشرائع لم يلحقه بداء بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة، وحكم إلى حكم؛ لضرب من المصلحة إظهار لحكمته وكمال مملكته وله ذلك وبه التوفيق.
فهذه من علم النسخ وهو نوع كثير من علوم القرآن، لا يسع جهله لمن شرع إلى التفسير.
وعن أبي عبد الرحمن السلمي: إن عليا ج مر بقاص يقص في جامع الكوفة بباب كندة فقال: هل تعلم الناسخ من المنسوخ؟
قال: لا. قال: هلكت وأهلكت.
وأما معنى الآية لقوله " * (ما ننسخ من آية) *) قرأت العامة بفتح النون والسين من النسخ.
وقرأ ابن عامر: بضم النون وكسر السين.
قال أبو حاتم: هو غلط وقال: بعضهم له وجهان، أحدهما نجعله نسخه من قولك نسخت الكتاب إذا كتبته وأنسخته غيري إذا جعلته نسخة له ومعناها ما مسختك.