تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١ - الصفحة ٢٥٠
قلت: لم أر شيئا.
فقالا: كذبت لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك فلا تكفري فإنك على رأس أمرك. فأبيت. فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه فذهبت إليه فبلت فيه، فرأيت فارسا مقنعا بالحديد خرج مني حتى ذهب في السماء وقد غاب عني حتى لم أره فجئتهما فقلت قد فعلت قالا: فما رأيت؟
قلت: رأيت فارسا مقنعا بالحديد خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه. قالا: صدقت ذلك ايمانك خرج منك إذهبي إلى المرأة وقول لها: والله ما أعلم شيئا وما قال لي شيئا، قالت بلى، قالا: لن تريدي شيئا إلا كان. خذي هذا القمح فأبذري فبذرت فقلت: إطلعي فطلعت فقلت: إحقلي فحقلت ثم قلت إفركي فأفركت ثم قلت اطحني فطحنت ثم قلت اخبزي فخبزت فلما رأيت إني لا أريد شيئا إلا كان سقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئا قط ولا أفعله أبدا.
فأما كيفية جواز تعليم السحر على الملائكة ووجه الآية وحملها على التأويل الصحيح:
فقال بعضهم: إنهما كانا لا يتعمدان تعليم السحر ولكنهما يصفانه ويذكران بطلانه ويأمران باجتنابه واعلم وعلم بمعنى واحد وفي هذا حكمة: وهي إن سائلا لو سأل عن الزنا لوجب أن يوقف عليه ويعلم أنه حرام، وكذلك إعلام الملكين الناس وأمرهما باجتنابه بعد الاعلام والأخبار إنه كفر حرام فيتعلم الشقي منهما وفي حلال صفتهما وترك موعظتهما ونصيحتهما ولا يكون على هذا التأويل تعلم السحر كفرا وإنما يكون العمل به كفرا كما إن من عرف الزنا لم يأثم إنما يأثم العامل به، والقول الآخر والأصح: إن الله تعالى امتحن الناس بالملكين في ذلك الوقت وجعل المحنة في الكفر والإيمان أن يقبل القابل تعلم السحر فيكفر بتعلمه ويؤمن بترك التعلم، لأن السحر كان قد كثر في كل الأمة ويزداد المعلمان عذابا بتعليمه فيكون ذلك ابتلاء للمعلم والمتعلم ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن بني إسرائيل بالنهر في قوله: " * (إن الله مبتليكم بنهر) *) يدل عليه قوله " * (إنما نحن فتنة فلا تكفر) *) وهذان حكاهما الزجاج واعتمدهما. قال الله تعالى:
" * (وما هم بضارين به من أحد) *) أي أحدا ومن صلة.
" * (إلا بأذن الله) *) (أو إلا بقضاء الله أو إلا بإذن الله أي بمرأى ومسمع) أي بعلمه وقضائه ومشيئته وتكوينه (والساحر يسحر ولا يكون شيء).
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»