النعم حتى زال عنهم خاطر التذكير وكانوا منعمين في الظاهر مستدرجين في الحقيقة.
قال بعضهم: إذا استقل النعم واشتكى فهو مستدرج.
قال الواسطي: لو كشف للخلق لصاروا حيارى ولكن بدأهم بالتلبيس والستر ثم يكشف ليعرفوا قدر ما هم عليه وأما الغاية فهو الاستدراج.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وننسيهم الاستغفار.
وقال أبو الحسن بن هند: المستدرج سكران والسكران لا يصل إليه ألم فجع المصيبة إلا بعد إفاقة فإذا أفاقوا من سكرتهم خلص إلى قلوبهم ذلك فانزعجوا ولم يطمئنوا والاستدراج هو السكون إلى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن والاعتداد بحكم الله عز وجل.
قال الخراز: الاستدراج فقدان اليقين لأن باليقين تستبين فوائد باطنه فإذا فقد اليقين فقد فوائد باطنه واشتغل بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنة.
قوله تعالى: * (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) * [الآية: 48].
قال أبو بكر الوراق: لا يستقيم الزهد إلا بالصبر لأن الصبر يجنبك آفات الدنيا ويحملك على الروح والراحة ويزيد في عقلك ويشفيك من كل داء ويخلصك من كل مهم والصبر يفيدك كل يوم من أدويته دواء يدلك به على رشدك والصبر لا يسقيك مرارة إلا مشوبة بحلاوة والصبر يقهر أعداءك ويغلبهم وهو النفس والهوى والشيطان والصبر سائق إليك جميع مصالحك ومحاسنك عاجلا وآجلا.
قال ابن عطاء: لم يكن هذا نقصا لصاحب الحوت ولكنه طلب استزادة من النبي صلى الله عليه وسلم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول: في كتاب صبر الأنبياء قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) * يستكشف بندائه ما مسه من ألم بلائه ويستغيث مع وجود العزم على القيام بواجب الصبر خوف دخول العجز وإشفاقا من ملامة العلم عند الإصغاء إلى الإبقاء على النفس التي لولا تدارك المنعم بالحفظ عند أول بادئ من البلاء لدخل العجز بسلطان قهره عليها لكن لوح له تعريض الخطاب: * (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) * [الآية: 49].