والبينة هي الكشف عن مراد الحق فيه، فإذا عرف مراده فيه استراح واطمأن وسكن، ومن ذلك أن يبدي له علم مجاري أحكامه قبل أن يجري عليه فإذا جرت الأحكام عليه يصبر ولا يبت، كما قال الخضر لموسى صلى الله عليهما * (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) * [الآية: 68].
أي لو أحطت به خبرا لصبرت ولكن ستر عنك محل هذا العلم لموضع التأديب والتهذيب لذلك قيل إن من عرف علم ما يجري عليه صبر على أحكامه لعلمه بما يراد منه.
قال ابن عطاء في هذه الآية: * (إنك لن تستطيع معي صبرا) *.
قال: كره صحبة المخلوقين فآيسه مع صحبته بقوله: * (إنك لن تستطيع معي صبرا) * لعله يفارقه بهذه اللفظة فإن من وجد الله صاحبا استوحش مما سواه.
وقال بعضهم: قال الخضر لموسى: * (إنك لن تستطيع معي صبرا) * ثم لم يصبر معه الخضر بقوله: * (هذا فراق بيني وبينك) * [الآية: 78].
ليعلم أنه ليس لولي أن يتفرس في نبي.
قوله تعالى: * (ستجدني إن شاء الله صابرا) * [الآية: 69].
قال فارس: موسى استثنى على نفسه بقوله ستجدني إن شاء الله صابرا ولم يستثن الخضر على موسى بقوله: * (إنك لن تستطيع معي صبرا) *. قال لأن علم موسى في ذلك الوقت علم تكليف واستدلال، وعلم الخضر علم لدني من غيب إلى غيب.
وقال أيضا: إن موسى كان على مقام التأديب، والخضر قائم مقام الكشف والمشاهدة لما جعل مؤدبا له.
قوله عز وجل: * (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) * [الآية: 70].
سمع أبا عثمان المغربي يقول: ليس للمتبع أن يسأل، ويبتدئ بالسؤال إذا كان المتبع من أهل الأشراف ولكنه يتلقى بإشرافه عليه تأديبه له في وقت الأدب ألا ترى كيف قال الخضر لموسى * (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) *.
قال الحضري: علم الخضر لموسى قصور علمه عن محل سؤال موسى وإنه ألجأ إليه للتأديب لا للتعليم فقال له: * (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) * لأن علمك أعلى