ثم قال تعالى * (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) * يعني إقرارا وثيقا شديدا في التوراة يعني تركوا هذه الأشياء كلها ونقضوا الميثاق ثم قال عز وجل * (فبما نقضهم ميثاقهم) * ولم يذكر في هذه الآية جوابهم والجواب فيه مضمر فكأنه قال وأخذنا منهم ميثاقا غليظا فنقضوا الميثاق فبنقضهم الميثاق لعنهم الله تعالى وخذلهم كقوله * (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم) * النساء 155 ثم قال * (وكفرهم بآيات الله) * يعني بكفرهم بآيات الله لعنهم الله وخذلهم * (وقتلهم الأنبياء بغير حق) * يعني بغير جرم * (وقولهم قلوبنا غلف) * يعني ذات أغلفة فلا نفقة حديثك وقرأ بعضهم * (غلف) * بضم اللام وهو جمع الغلاف يعني أن قلوبنا أوعية لكل علم ولا نفقة حديثك قال الله تعالى * (بل طبع الله عليها) * يعني ختم الله على قلوبهم * (بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) * يعني لا يؤمنون إلا القليل منهم ويقال لا يؤمنون إلا بالقليل لأنهم آمنوا ببعض وكفروا ببعض وقال مقاتل يعني ما أقل ما يؤمنون يقول بأنهم لا يؤمنون البتة ثم قال تعالى * (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) * وذلك أن مريم كانت متعبدة ناسكة اصطفاها الله تعالى بولد بغير أب فعيرها اليهود واتهموها وقذفوها بيوسف بن ماثان وكان يوسف خادم بيت المقدس ويقال كان ابن عمها فأنزل الله تعالى إكذابا لقولهم وبين بهتانهم فقال * (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) * يعني لعنهم الله وخذلهم بذلك * (وقولهم) * يعني وبقولهم * (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) * هذا قول الله لا قول اليهود وقول اليهود إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ثم قال الله تعالى * (رسول الله) * يعني الذي هو رسول الله تعالى وذلك أن اليهود لما اجتمعوا على قتله هرب منهم ودخل في بيت فأمر ملك اليهود رجلا يدخل البيت يقال له يهوذا ويقال ططيانوس فجاء جبريل عليه السلام ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء فلما دخل الرجل إلى البيت لم يجده فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه فلما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه وصلبوه ثم قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى فاختلفوا فيما بينهم فأنزل الله تعالى إكذابا لقولهم فقال * (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) * يعني ألقي شبه عيسى على غيره فقتلوه ثم قال تعالى * (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه) * من قتله * (ما لهم به من علم) * يعني لم يكن عندهم علم يقين أنه قتل أو لم يقتل * (إلا اتباع الظن) * يعني قالوا قولا بالظن * (وما قتلوه يقينا) * يعني لم يستيقنوا بقتله ويقال * (ما قتلوه) * يعني يقينا أنهم لم يقتلوه * (بل رفعه الله إليه) * وقال مقاتل بل رفعة الله إلى السماء في شهر رمضان ليلة القدر وقال الضحاك رفعة الله إلى السماء في يوم عاشوراء بين الصلاتين يعني بين المغرب والعشاء ثم قال * (وكان الله عزيزا) * يعني منيعا حين منع عيسى من القتل * (حكيما) * حين حكم رفعه إلى السماء
(٣٧٩)