ثم قال * (وإذا تولى) * يعني إذا فارقك رجع عنك * (سعى في الأرض) * أي مضى في الأرض بالمعاصي * (ليفسد فيها) * يعني يعصي الله في الأرض * (ويهلك الحرث والنسل) * يعني يحرق الكدس ويعقر الدواب * (والله لا يحب الفساد) * أي لا يرضى بعمل المعاصي قوله تعالى * (وإذا قيل له اتق الله) * في صنعك * (أخذته العزة بالإثم) * يعني الحمية في الإثم يعني تكبرا يقول الله تعالى * (فحسبه جهنم ولبئس المهاد) * يعني ولبئس الفراش ولبئس القرار وهذه الآية نزلت في شأن أخنس بن شريق ولكنها صارت عامة لجميع الناس فمن عمل مثل عمله استوجب تلك العقوبة وقال بعض الحكماء إن من يقتل حمارا ويحرق كدسا استوجب الملامة ولحقه الشين إلى يوم القيامة فالذي يسعى بقتل مسلم كيف يكون حاله وذكر أن يهوديا كانت له حاجة إلى هارون الرشيد فاختلف إلى بابه سنة فلم يقض حاجته فوقف يوما على الباب فلما خرج هارون سعى ووقف بين يديه وقال اتق الله يا أمير المؤمنين فنزل هارون عن دابته وخر ساجدا لله فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقضيت له فلما رجع قيل يا أمير المؤمنين نزلت عن دابتك بقول يهودي قال لا ولكن تذكرت قول الله تعالى " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد " وقال قتادة ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعيتم إلى الله فأجيبوا وإذا سئلتم بالله فأعطوا فإن المؤمنين كانوا كذلك سورة البقرة الآية 207 قوله تعالى * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * قال ابن عباس نزلت هذه الآية في شأن صهيب بن سنان الرومي مولى عبد الله بن جدعان وفي نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمار بن ياسر وسمية أم عمار وخباب بن الأرت وغيرهم أخذهم المشركون فعذبوهم فأما صهيب فإنه كان شيخا كبيرا وله مال ومتاع فقال لأهل مكة إني شيخ كبير لا أضركم إن كنت معكم أو مع عدوكم فأنا أعطيكم مالي ومتاعي وذروني وديني اشتريه منكم بمالي ففعلوا ذلك وأعطاهم ماله إلا مقدار راحلته وتوجه إلى المدينة فلما دخل المدينة لقيه أبو بكر فقال له ربح البيع يا صهيب فقال له وبيعك لا يخسر فقال وما ذلك يا أبا بكر فأخبره بما نزل فيه ففرح بذلك صهيب وقتل ياسر أبو عمار وأمه سميه فنزلت هذه الآية في شأن صهيب " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " يعنس يشري نفسه ودينه وهذا من أسماء الأضداد يقال شرى واشترى وباع وابتاع " ابتغاء مرضاة الله " يعني يشتري نفسه ودينه يطلب رضاء الله * (والله رؤوف بالعباد) * يعني رحيم بهم ثم هذه الآية صارت عامة لجميع الناس من بذل ماله ليصون به نفسه ودينه فهو من أهل هذه الآية
(١٦٣)