الإيجاب لو قال: عليكم التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر: والصحيح أنه لا دلالة فيه على الوجوب، بل دلالته على الندب أظهر منها على الإيجاب لما ذكرنا، ومع ذلك ورد بصيغة الأمر لما دل على الوجوب في أفعاله صلى الله عليه وسلم، لأن التأسي به هو أن نفعل مثل ما فعل، ومتى خالفناه (في اعتقاد الفعل أو في معناه لم يكن ذلك تأسيا به، ألا ترى أنه إذا فعله على الندب وفعلناه على الوجوب كنا غير متأسين به، وإذا فعل صلى الله عليه وسلم فعلا لم يجز لنا أن نفعله على اعتقاد الوجوب فيه حتى نعلم أنه فعله على ذلك؟ فإذا علمنا أنه فعله على الوجوب لزمنا فعله على ذلك الوجه لا من جهة هذه الآية، إذ ليس فيها دلالة على الوجوب لكن من جهة ما أمرنا الله تعالى باتباعه في غير هذه الآية.
وقوله تعالى: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله)، قيل إنه وعدهم أنهم إذا لقوا المشركين ظفروا بهم واستعلوا عليهم، كقوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) [التوبة: 33]. وقال قتادة: الذي وعدهم في قوله: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) [البقرة: 214] الآية.
وقوله تعالى: (وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) إخبار عن صفتهم في حال المحنة وأنهم ازدادوا عندها يقينا وبصيرة، وذلك صفة أهل البصائر في الإيمان بالله.
وقوله تعالى: (فمنهم من قضى نحبه) قيل: إن النحب النذر، أي قضى نذره الذي نذره فيما عاهد الله عليه. وقال الحسن: " قضى نحبه: مات على ما عاهد عليه ". ويقال:
إن النحب الموت، والنحب المد في السير يوما وليلة. وقال مجاهد: " قضى نحبه:
عهده ". قال أبو بكر: لما كان النحب قد يجوز أن يكون المراد به العهد والنذر وقد مدحهم الله على الوفاء به بعينه، دل ذلك على أن من نذر قربة فعليه الوفاء به بعينه دون كفارة اليمين.
وقوله تعالى: (وأنزل الذين ظاهر وهم من أهل الكتاب من صياصيهم)، قيل في الصياصي: إنها الحصون التي كانوا يمتنعون بها. وأصل الصيصة قرن البقرة وبها تمتنع، وتسمى بها شوكة الديك لأنه بها يمتنع، فسميت الحصون صياصي على هذا المعنى.
وروي أن المراد بها بنو قريظة، كانوا نقضوا العهد وعاونوا الأحزاب، وقال الحسن: هم بنو النضير. وسائر الرواة على أنهم بنو قريظة، وظاهر الآية يدل عليه لأنه قال تعالى:
(فريقا تقتلون وتأسرون فريقا)، ولم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير ولا أسرهم وإنما أجلاهم عن بلادهم.
وقوله تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها)، يعني به أرض بني قريظة. وعلى تأويل من تأوله على بني النضير فالمراد أرض بني النضير.