وروى معمر عن الحسن في قوله: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) قال: " إن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام هل يصلي ربك؟ فكان ذلك كبر في صدره، فسأله فأوحى الله عليه أن أخبرهم أني أصلي وأن صلاتي: رحمتي سبقت غضبي ".
فإن قيل: من أصلكم أنه لا يجوز أن يراد باللفظ الواحد معنيان مختلفان، وقد جاء في القرآن اشتمال لفظ الصلاة على معنى الرحمة والدعاء جميعا. قيل له: هذا يجوز عندنا في الألفاظ المجملة، والصلاة اسم مجمل مفتقر إلى البيان، فلا يمتنع إرادة المعاني المختلفة فيما كان هذا سبيله، قال قتادة في قوله: (وسبحوه بكرة وأصيلا):
صلاة الضحى وصلاة العصر.
وقوله تعالى: (وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) سمي النبي صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا تشبيها له بالسراج الذي به يستنار الأشياء في الظلمة، لأنه بعث صلى الله عليه وسلم وقد طبقت الأرض ظلمة الشرك، فكان كالسراج الذي يظهر في الظلمة، وكما سمي القرآن نورا وهدى وروحا وسمي جبريل عليه السلام روحا، لأن الروح بها يحيا الحيوان، وذلك كله مجاز واستعارة وتشبيه.
وقوله تعالى: (تحيتهم يوم يلقونه سلام)، قال قتادة: " تحية أهل الجنة السلام ".
قال أبو بكر: هو مثل قوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) [يونس:
10].
باب الطلاق قبل النكاح قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا). قال أبو بكر: قد تنازع أهل العلم في دلالة هذه الآية في صحة إيقاع طلاق المرأة بشرط التزويج وهو أن يقول: " إن تزوجت امرأة فهي طالق "، فقال قائلون: " قد اقتضت الآية إلغاء هذا القول وإسقاط حكمه، إذ كانت موجبة لصحة الطلاق بعد النكاح، وهذا القائل مطلق قبل النكاح ". وقال آخرون: " دلالتها ظاهرة في صحة هذا القول من قائله ولزوم حكمه عند وجود النكاح، لأنها حكمت بصحة وقوع الطلاق بعد النكاح، ومن قال لأجنبية: إذا تزوجتك فأنت طالق، فهو مطلق بعد النكاح، فوجب بظاهر الآية إيقاع طلاقه وإثبات حكم لفظه ". وهذا القول هو الصحيح، وذلك لأنه لا يخلو العاقد لهذا القول من أن يكون مطلقا في حال العقد أو في حال الإضافة ووجود الشرط، فلما اتفق الجميع على أن من قال لامرأته: " إذا بنت مني وصرت أجنبية فأنت طالق " أنه موقع للطلاق في حال