(والذين يكنزون الذهب والفضة) مفتقرا إلى خبر، ألا ترى أنه لا يجوز الاقتصار عليه؟.
وقد روى في معنى ظاهر الآية أخبار، روى موسى بن عبيدة قال: حدثني عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " في الإبل صدقتها من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهي كي يكوى بها يوم القيامة "، قال: قلت: انظر ما يجيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذه الأموال قد فشت في الناس! فقال: أما تقرأ القرآن: (والذين يكنزون الذهب والفضة) الآية. فاقتضى ظاهره أن في الإبل صدقتها لا جميعها وهي الصدقة المفروضة، وفي الذهب والفضة اخراج جميعهما، وكذلك كان مذهب أبي ذر رحمة الله عليه أنه لا يجوز ادخار الذهب والفضة. وروى محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا يمر على ثلاثة وعندي منه شيء أن لا أجد أحدا يقبله مني صدقة إلا أن أرصده لدين علي ". فذكر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحب ذلك لنفسه واختار إنفاقه ولم يذكر وعيد تارك إنفاقه.
وروى قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال: توفي رجل من أهل الصفة فوجد معه دينار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كية " وجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه أخذ الدينار من غير حله أو منعه من حقه أو سأله غيره بإظهار الفاقة مع غناه عنه، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم: " من سأل عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم فقلنا: وما غناه يا رسول الله قال: " أن يكون عند أهله ما يغديهم ويعشيهم "، وكان ذلك في وقت شدة الحاجة وضيق العيش ووجوب المؤاساة من بعضها لبعض. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنها منسوخة بقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) [التوبة: 103].
قال أبو بكر: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنقل المستفيض إيجابه في مائتي درهم خمسة دراهم وفي عشرين دينارا نصف دينار، كما أوجب فرائض المواشي ولم يوجب الكل، فلو كان اخراج الكل واجبا من الذهب والفضة لما كان للتقدير وجه. وأيضا فقد كان في الصحابة قوم ذوو يسار ظاهر وأموال جمة مثل عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منهم فلم يأمرهم باخراج الجميع، فثبت أن اخراج جميع الذهب والفضة غير واجب وأن المفروض اخراجه هو الزكاة إلا أن تحدث أمور توجب المواساة والإعطاء نحو الجائع المضطر والعاري المضطر أو ميت ليس له من يكفنه أو يواريه. وقد روى شريك عن أبي حمزة عن عامر عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " في المال حق سوى الزكاة " وتلا قوله تعالى: (البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) [البقرة: 177] الآية.