وإنما سماه روحا من حيث كان فيه حياة الناس في أمور دينهم، فصرف أهل الزيغ ذلك إلى مذاهبهم الفاسدة وإلى ما يعتقدونه من الكفر والضلال. وقال قتادة: أهل الزيغ المتبعون للمتشابه منه هم الحرورية والسبائية.
قوله تعالى: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم). روي عن ابن عباس وقتادة وابن إسحاق: أنه لما هلكت قريش يوم بدر، جمع النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بسوق قينقاع فدعاهم إلى الاسلام وحذرهم مثل ما نزل بقريش من الانتقام، فأبوا وقالوا: لسنا كقريش الأغمار الذين لا يعرفون القتال، لئن حاربتنا لتعرفن أنا الناس! فأنزل الله تعالى:
(قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد). وفي هذه الآية دلالة على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فيها من الإخبار عن غلبة المؤمنين المشركين، فكان على ما أخبر به. ولا يكون ذلك على الاتفاق مع كثرة ما أخبر به عن الغيوب في الأمور المستقبلة فوجد مخبره على ما أخبر به من غير خلف، وذلك لا يكون إلا من عند الله تعالى العالم بالغيوب، إذ ليس في وسع أحد من الخلق الإخبار بالأمور المستقبلة ثم يتفق مخبر اخباره على ما أخبر به من غير خلف لشئ منه.
وقوله تعالى: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله) الآية.
روي عن ابن مسعود والحسن أن ذلك خطاب للمؤمنين وأن المؤمنين هي الفئة الرائية للمشركين مثليهم رأي العين، فرأوهم مثلي عدتهم وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، لأن المشركين كانوا نحو ألف رجل والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر، فقللهم الله تعالى في أعين المسلمين لتقوية قلوبهم. وقال آخرون: قوله: (قد كان لكم) آية مخاطبة للكفار الذين ابتدأ بذكرهم في قوله: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم)، وقوله:
(قد كان لكم) آية معطوف عليه وتمام له، والمعنى فيه أن الكافرين رأوا المؤمنين مثليهم وأراهم الله تعالى كذلك في رأي العين ليجنب قلوبهم ويرهبهم فيكون أقوى للمؤمنين عليهم، وذلك أحد أبواب النصر للمسلمين والخذلان للكافرين. وفي هذه الآية الدلالة من وجهين على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما: غلبة الفئة القليلة العدد والعدة للكثيرة العدد والعدة، وذلك على خلاف مجرى العادة، لما أمدهم الله به من الملائكة.
والثاني: أن الله تعالى قد كان وعدهم إحدى الطائفتين، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين قبل اللقاء بالظفر والغلبة وقال: " هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان " وكان كما وعد الله وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات) قال الحسن: " زينها الشيطان لأنه لا