أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٢
عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) [الممتحنة: 1]. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنا برئ من كل مسلم مع مشرك "، فقيل: لم يا رسول الله؟ فقال: " لا تراءى ناراهما ". وقال: " أنا برئ من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين ". فهذه الآي والآثار دالة على أنه ينبغي أن يعامل الكفار بالغلظة والجفوة دون الملاطفة والملاينة، ما لم تكن حال يخاف فيها على تلف نفسه أو تلف بعض أعضائه أو ضررا كبيرا يلحقه في نفسه فإنه إذا خاف ذلك جاز له إظهار الملاطفة والموالاة من غير صحة اعتقاد.
والولاء ينصرف على وجهين أحدهما: من يلي أمور من يرتضي فعله بالنصرة والمعونة والحياطة وقد يسمى بذلك المعان المنصور قال الله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا) [البقرة: 257] يعني أنه يتولى نصرهم ومعونتهم. والمؤمنون أولياء الله بمعنى أنهم معانون بنصرة الله، قال الله تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [يونس: 62].
مطلب: في بيان معنى التقية وحكمها وقوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) يعني أن تخافوا تلف النفس وبعض الأعضاء فتتقوهم بإظهار الموالاة من غير اعتقاد لها. وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللفظ وعليه الجمهور من أهل العلم، وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال:
حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) قال: " لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافرا وليا في دينه ". وقوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة): إلا أن تكون بينه وبينه قرابة فيصله لذلك، فجعل التقية صلة لقرابة الكافر. وقد اقتضت الآية جواز إظهار الكفر عند التقية، وهو نظير قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) [النحل: 106]. وإعطاء التقية في مثل ذلك إنما هو رخصة من الله تعالى وليس بواجب، بل ترك التقية أفضل، قال أصحابنا فيمن أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل: إنه أفضل ممن أظهر. وقد أخذ المشركون خبيب بن عدي فلم يعط التقية حتى قتل، فكان عند المسلمين أفضل من عمار بن ياسر حين أعطى التقية وأظهر
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»