أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥١٢
نفاه - ونفيه حبسه - حتى يظهر توبة، فإن لم يقدر على المحارب حتى يأتيه تائبا وضع عنه حد المحاربة القتل والقطع والنفي وأخذ بحقوق الناس ". وقال الليث بن سعد: " الذي يقتل ويأخذ المال يصلب فيطعن بالحربة حتى يموت، والذي يقتل فإنه يقتل بالسيف ".
وقال أبو الزناد في المحاربين: " ما يصنع الوالي فيهم فهو صواب، من قتل أو صلب أو قطع أو نفي ".
قال أبو بكر: الدليل على أن حكم الآية على الترتيب الذي ذكرنا، قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس " فنفى صلى الله عليه وسلم قتل من خرج عن هذه الوجوه الثلاثة ولم يخصص فيه قاطع الطريق، فانتفى بذلك قتل من لم يقتل من قطاع الطريق، وإذا انتفى قتل من لم يقطع وجب قطع يده ورجله إذا أخذ المال، وهذا لا خلاف فيه.
فإن قيل: روى إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، ورجل قتل رجلا فقتل به، ورجل خرج محاربا لله ولرسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض ". قيل له: قد روي هذا الحديث من وجوه صحاح ولم يذكر فيه قتل المحارب، ورواه عثمان وعبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه قتل المحارب. والصحيح منها ما لم يذكر ذلك فيه، لأن المرتد لا محالة مستحق للقتل بالاتفاق، وهو أحد الثلاثة المذكورين في خبر هؤلاء، فلم يبق من الثلاثة غيرهم، ويكون المحارب إذا لم يقتل خارجا منهم. وإن صح ذكر المحارب فيه، فالمعنى فيه: إذا قتل، حتى يكون موافقا للأخبار الآخر وتكون فائدته جواز قتله على وجه الصلب.
فإن قيل: فقد ذكر فيه: أو ينفى من الأرض. قيل له: لا يمتنع أن يكون مبتدأ قد أضمر فيه: إن لم يقتل.
فإن قيل: فقد يقتل الباغي وإن لم يقتل، وهو خارج عن الثلاثة المذكورين في الخبر. قيل له: ظاهر الخبر ينفي قتله، وإنما قتلناه بدلالة الاتفاق وبقي حكم الخبر في نفي قتل المحارب إلا أن يقتل على العموم. وأيضا فإن الخبر إنما ورد فيمن استحق القتل بفعل سبق منه واستقر حكمه عليه، كالزاني المحصن والمرتد والقاتل والباغي لا يستحق القتل على هذا الوجه، وإنما يقتل على وجه الدفع، ألا ترى أنه لو قعد في بيته ولم يقاتل لم يقتل وإن كان معتقدا لمقالة أهل البغي؟ فثبت بما وصفنا أن حكم الآية على الترتيب على الوجه الذي بينا لا على التخيير. ويدل على أن في الآية ضميرا ولا تخيير فيها اتفاق الجميع على أنهم لو أخذوا المال ولم يقتلوا لم يجز للإمام أن ينفيه ويترك قطع
(٥١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 ... » »»