الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٣٣
مجادلا خصيما أمام خالقه، واعتبروا الآية السابعة والسبعين من سورة يس شاهدا على ما ذهبوا إليه.
إلا أن التفسير الأول كما يبدو - أقرب من الثاني، لأن الآيات أعلاه في مقام بيان عظمة الله وقدرته، وتتبين عظمته بشكل جلي حين يخلق كائنا شريفا جدا من مادة ليست بذي شأن في ظاهرها.
وجاء في تفسير علي بن إبراهيم: (خلقه من قطرة من ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا) (1).
ثم يشير القرآن الكريم إلى نعمة خلق الحيوانات وما تدر من فوائد كثير للإنسان فيقول: والأنعام خلقها لكم فيها دف ء منافع ومنها تأكلون.
فخلق الأنعام الدال على علم وقدرة الباري سبحانه، فيها من الفوائد الكثيرة للإنسان، وقد أشارت الآية إلى ثلاث فوائد:
أولا: " الدف ء " ويشمل كل ما يتغطى به (بالاستفادة من وبرها وجلودها) كاللباس والأغطية والأحذية والأخبية.
ثانيا: " المنافع " إشارة إلى اللبن ومشتقاته.
ثالثا: " منها تأكلون " أي، اللحم.
ويلاحظ تقديم الملابس والأغطية والمسكن، في عرض منافع الأنعام دون المنافع الأخرى، وهذا دليل على أهميتها وضروريتها في الحياة.
ويلاحظ أيضا مجئ كلمة " الدف ء " قبل " المنافع " إشارة إلى أن ما تدفع به الضرر مقدم على ما يجلب لك فيه المنفعة.
ويمكن للبعض ممن يخالفون أكل اللحوم أن يستدلوا بظاهر هذه الآية، حيث لم يعتبر الباري جل شأنه مسألة أكل لحومها ضمن منافعها، ولهذا نرى قد جاءت

1 - تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 39.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»