تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٤٢
وعلى هذا فالظاهر تعلق قوله: " ليجزي " الخ، بقوله السابق: " فأعرض عمن تولى " الخ، والمعنى: أعرض عنهم وكل أمرهم إلى الله ليجزيهم كذا وكذا ويجزيك ويجزي المحسنين كذا وكذا.
ويمكن أن يكون قوله: " ولله ما في السماوات " الخ، كلاما مستأنفا للدلالة على أن الامر بالاعراض عنهم لا لاهمالهم وتركهم سدى بل الله سبحانه يجزي كلا بعمله إن سيئا وإن حسنا، ووضع اسم الجلالة وهو ظاهر موضع الضمير للدلالة على كمال العظمة.
وقوله: " لله ما في السماوات وما في الأرض " إشارة إلى ملكه تعالى للكل ومعناه قيام الأشياء به تعالى لكونه خالقهم الموجد لهم فالملك ناشئ من الخلق وهو مع ذلك منشأ للتدبير فالجملة دالة على الخلق والتدبير كأنه قيل: ولله الخلق والتدبير.
وبهذا المعنى يتعلق قوله: " ليجزي " الخ، واللام للغاية، والمعنى: له الخلق والتدبير وغاية ذلك والغرض منه أن يجزي الذين أساؤا الخ، والمراد بالجزاء ما يخبر عنه الكتاب من شؤون يوم القيامة، والمراد بالإساءة والاحسان المعصية والطاعة، والمراد بما عملوا جزاء ما عملوا أو نفس ما عملوا، وبالحسنى المثوبة الحسنى.
والمعنى: ليجزي الله الذين عصوا بمعصيتهم أو بجزاء معصيتهم ويجزي الذين أطاعوا بالمثوبة الحسنى، وقد أوردوا في الآية احتمالات أخرى وما قدمناه هو أظهرها.
قوله تعالى: " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة " الخ، الاثم هو الذنب وأصله - كما ذكره الراغب - الفعل المبطئ عن الثواب والخير، وكبائر الاثم المعاصي الكبيرة وهو على ما في الرواية (1) ما أوعد الله عليه النار، وقد تقدم البحث عنها في تفسير قوله تعالى: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " الآية، النساء: 31.
والفواحش الذنوب الشنيعة الفظيعة، وقد عد تعالى في كلامه الزنا واللواط من الفواحش ولا يبعد أن يستظهر من الآية اتحادها مع الكبائر.
وأما اللمم فقد اختلفوا في معناه فقيل: هو الصغيرة من المعاصي، وعليه فالاستثناء منقطع، وقيل: هو أن يلم بالمعصية ويقصدها ولا يفعل والاستثناء أيضا منقطع، وقيل:

(١) رواها في ثواب الأعمال عن عباد بن كثير النوا عن أبي جعفر عليه السلام.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست