تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٨٦
عن شرف المخاطبة.
والمعنى: ألم تنظر إلى الذين نهوا عن التناجي بينهم بما يغم المؤمنين ويحزنهم ثم يعودون إلى التناجي الذي نهوا عنه عودة بعد عودة، وفي التعبير بقوله " يعودون " دلالة على الاستمرار، وفي العدول عن ضمير النجوى إلى الموصول والصلة حيث قيل: " يعودون لما نهوا عنه " ولم يقل " يعودون إليها دلالة على سبب الذم والتوبيخ ومساءة العود لأنها أمر منهي عنه.
وقوله: " يتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول المقابلة بين الأمور الثلاثة:
الاثم والعدوان ومعصية الرسول تفيد أن المراد بالاثم هو العمل الذي له أثر سيئ لا يتعدى نفس عامله كشرب الخمر والميسر وترك الصلاة مما يتعلق من المعاصي بحقوق الله، والعدوان هو العمل الذي فيه تجاوز إلى الغير مما يتضرر به الناس ويتأذون مما يتعلق من المعاصي بحقوق الناس، والقسمان أعني الاثم والعدوان جميعا من معصية الله، ومعصية الرسول مخالفته في الأمور التي هي جائزة في نفسها لا أمر ولا نهي من الله فيها لكن الرسول أمر بها أو نهى عنها لمصلحة الأمة بما له ولاية أمورهم والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما نهاهم عن النجوى وإن لم يشتمل على معصية.
كان ما تقدم من قوله: " الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه " ذما وتوبيخا لهم على نفس نجواهم بما أنها منهي عنها مع الغض عن كونها بمعصية أو غيرها:
وهذا الفصل أعني قوله: " ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول " ذم وتوبيخ لهم بما يشتمل عليه تناجيهم من المعصية بأنواعها وهؤلاء القوم هم المنافقون ومرضى القلوب كانوا يكثرون من النجوى بينهم ليغتم بها المؤمنون ويحزنوا ويتأذوا.
وقيل: المنافقون واليهود كان يناجي بعضهم بعضا ليحزنوا المؤمنين ويلقوا بينهم الوحشة والفزع ويوهنوا عزمهم لكن في شمول قوله: " الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه " لليهود خفاء.
وقوله: " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " فإن الله حياه بالتسليم وشرع له ذلك تحية من عند الله مباركة طيبة وهم كانوا يحيونه بغيره. قالوا: هؤلاء هم اليهود كانوا إذا أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: السام عليك - والسام هو الموت - وهم يوهمون أنهم يقولون: السلام عليك، ولا يخلو من شئ فإن الضمير في " جاؤوك " و " حيوك " للموصول
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست