تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٨٥
واحد وهو أن الله لا يخفى عليه نجوى فقوله: " إلا هو رابعهم " إلا هو سادسهم " في معنى قوله: " إلا هو معهم " وهو المعية العلمية أي أنه يشاركهم في العلم ويقارنهم فيه أو المعية الوجودية بمعنى أنه كلما فرض قوم يتناجون فالله سبحانه هناك سميع عليم.
وفي قوله: " أينما كانوا " تعميم من حيث المكان إذ لما كانت معيته تعالى لهم من حيث العلم لا بالاقتران الجسماني لم يتفاوت الحال ولم يختلف باختلاف الأمكنة بالقرب والبعد فالله سبحانه لا يخلو منه مكان وليس في مكان.
وبما تقدم يظهر أيضا أن - ما تفيده الآية من معيته تعالى لأصحاب النجوى وكونه رابع الثلاثة منهم وسادس الخمسة منهم لا ينافي ما تقدم تفصيلا في ذيل قوله تعالى: " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " المائدة: 73، من أن وحدته تعالى ليست وحدة عددية بل وحدة أحدية يستحيل معها فرض غير معه يكون ثانيا له فالمراد بكونه معهم ورابعا للثلاثة منهم وسادسا للخمسة منهم أنه عالم بما يتناجون به وظاهر مكشوف له ما يخفونه من غيرهم لا أن له وجودا محدودا يقبل العد يمكن أن يفرض له ثان وثالث وهكذا.
وقوله: " ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة " أي يخبرهم بحقيقة ما عملوا من عمل ومنه نجواهم ومسارتهم.
وقوله: " أن الله بكل شئ عليم " تعليل لقوله: " ثم ينبئهم " الخ، وتأكيد لما تقدم من علمه بما في السماوات وما في الأرض، وكونه مع أصحاب النجوى.
والآية تصلح أن تكون توطئة وتمهيدا لمضمون الآيات التالية ولا يخلو ذيلها من لحن شديد يرتبط بما في الآيات التالية من الذم والتهديد.
قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه " إلى آخر الآية سياق الآيات يدل على أن قوما من المنافقين والذين في قلوبهم مرض من المؤمنين كانوا قد أشاعوا بينهم النجوى محادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين يتناجون بينهم بالاثم والعدوان ومعصية الرسول وليؤذوا بذلك المؤمنين ويحزنون وكانوا يصرون على ذلك من غير أن ينتهوا بنهي فنزلت الآيات.
فقوله: " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه " ذم وتوبيخ غيابي لهم، وقد خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يخاطبهم أنفسهم مبالغة في تحقير أمرهم وإبعادا لهم
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»
الفهرست