تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٦٧
والمصيبة التي تصيب في الأرض كالجدب وعاهة الثمار والزلزلة المخربة ونحوها، والتي تصيب في الأنفس كالمرض والجرح والكسر والقتل والموت، والبرء والبروء الخلق من العدم، وضمير " نبرأها " للمصيبة، وقيل: للأنفس، وقيل: للأرض، وقيل: للجميع من الأرض والأنفس والمصيبة، ويؤيد الأول أن المقام مقام بيان ما في الدنيا من المصائب الموجبة لنقص الأموال والأنفس التي تدعوهم إلى الامساك عن الانفاق والتخلف عن الجهاد.
والمراد بالكتاب اللوح المكتوب فيه ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة كما تدل عليه الآيات والروايات وإنما اقتصر على ذكر ما يصيب في الأرض وفي أنفسهم من المصائب لكون الكلام فيها.
قيل: إنما قيد المصيبة بما في الأرض وفي الأنفس لان مطلق المصائب غير مكتوبة في اللوح لان اللوح متناه والحوادث غير متناهية ولا يكون المتناهي ظرفا لغير المتناهي.
والكلام مبني على أن المراد باللوح لوح فلزي أو نحوه منصوب في ناحية من نواحي الجو مكتوب فيه الحوادث بلغة من لغاتنا بخط يشبه خطوطنا، وقد مر كلام في معنى اللوح والقلم وسيجئ له تتمة.
وقيل: المراد بالكتاب علمه تعالى وهو خلاف الظاهر إلا أن يراد به أن الكتاب المكتوب فيه الحوادث من مراتب علمه الفعلي.
وختم الآية بقوله: " إن ذلك على الله يسير " للدلالة على أن تقدير الحوادث قبل وقوعها والقضاء عليها بقضاء لا يتغير لا صعوبة فيه عليه تعالى.
قوله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " الخ، تعليل راجع إلى الآية السابقة وهو تعليل للاخبار عن كتابة الحوادث قبل وقوعها لا لنفس الكتابة، والأسى الحزن، والمراد بما فات وما آتي النعمة الفائتة والنعمة المؤتاة.
والمعنى: أخبرناكم بكتابة الحوادث قبل حدوثها وتحققها لئلا تحزنوا بما فاتكم من النعم ولا تفرحوا بما أعطاكم الله منها لان الانسان إذا أيقن أن الذي أصابه مقدر كائن لا محالة لم يكن ليخطئه وأن ما أوتيه من النعم وديعة عنده إلى أجل مسمى لم يعظم حزنه إذا فاته ولا فرحه إذا أوتيه.
قيل: إن اختلاف الاسناد في قوليه: " ما فاتكم " و " ما آتاكم " حيث أسند الفوت
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»
الفهرست