تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٦٤
الله ثم بدعوتهم إلى المسابقة إلى المغفرة والجنة ثم بالإشارة إلى أن ما يصيبهم من المصيبة في أموالهم وأنفسهم مكتوبة في كتاب سابق وقضاء متقدم فليس ينبغي لهم أن يخافوا الفقر في الانفاق في سبيل الله، فيبخلوا ويمسكوا أو يخافوا الموت في الجهاد في سبيل الله فيتخلفوا ويقعدوا.
قوله تعالى: " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " الخ، اللعب عمل منظوم لغرض خيالي كلعب الأطفال، واللهو ما يشغل الانسان عما يهمه، والزينة بناء نوع وربما يراد به ما يتزين به وهي ضم شئ مرغوب فيه إلى شئ آخر ليرغب فيه بما اكتسب به من الجمال، والتفاخر المباهاة بالأنساب والأحساب، والتكاثر في الأموال والأولاد.
والحياة الدنيا عرض زائل وسراب باطل لا يخلو من هذه الخصال الخمس المذكورة:
اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر وهي التي يتعلق بها هوى النفس الانسانية ببعضها أو بجميعها وهي أمور وهمية وأعراض زائلة لا تبقى للانسان وليست ولا واحدة منها تجلب للانسان كمالا نفسيا ولا خيرا حقيقيا.
وعن شيخنا البهائي رحمه الله أن الخصال الخمس المذكورة في الآية مترتبة بحسب سني عمر الانسان ومراحل حياته فيتولع أولا باللعب وهو طفل أو مراهق ثم إذا بلغ واشتد عظمه تعلق باللهو والملاهي ثم إذا بلغ أشده اشتغل بالزينة من الملابس الفاخرة والمراكب البهية والمنازل العالية وتوله للحسن والجمال ثم إذا اكتهل أخذ بالمفاخرة بالأحساب والأنساب ثم إذا شاب سعى في تكثير المال والولد.
وقوله: " كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما " مثل لزينة الحياة الدنيا التي يتعلق بها الانسان غرورا ثم لا يلبث دون أن يسلبها.
والغيث المطر والكفار جمع كافر بمعنى الحارث، ويهيج من الهيجان وهو الحركة، والحطام الهشيم المتكسر من يابس النبات.
والمعنى: أن مثل الحياة الدنيا في بهجتها المعجبة ثم الزوال كمثل مطر أعجب الحراث نباته الحاصل بسببه ثم يتحرك إلى غاية ما يمكنه من النمو فتراه مصفر اللون ثم يكون هشيما متكسرا - متلاشيا تذروه الرياح -.
وقوله: " وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان " سبق المغفرة على
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست