تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٧٤
والآيات التي في النفوس منها ما هي في تركب الأبدان من أعضائها وأعضاء أعضائها حتى ينتهي إلى البسائط وما لها من عجائب الافعال والآثار المتحدة في عين تكثرها المدبرة جميعا لمدبر واحد، وما يعرضها من مختلف الأحوال كالجنينية والطفولية والرهاق والشباب والشيب.
ومنها ما هي من حيث تعلق النفوس أعني الأرواح بها كالحواس من البصر والسمع والذوق والشم واللمس التي هي الطرق الأولية لاطلاع النفوس على الخارج لتميز بذلك الخير من الشر والنافع من الضار لتسعى إلى ما فيه كمالها وتهرب مما لا يلائمها، وفي كل منها نظام وسيع جار فيه منفصل بذاته عن غيره كالبصر لا خبر عنده عما يعمله السمع بنظامه الجاري فيه وهكذا، والجميع مع هذا الانفصال والتقطع مؤتلفة تعمل تحت تدبير مدبر واحد هو النفس المدبرة والله من ورائهم محيط.
ومن هذا القبيل سائر القوى المنبعثة عن النفوس في الأبدان كالقوة الغضبية والقوة الشهوية وما لها من اللواحق والفروع فإنها على ما للواحد منها بالنسبة إلى غيره من البينونة وانفصال النظام الجاري فيه عن غيره واقعة تحت تدبير مدبر واحد تتعاضد جميع شعبها وتأتلف لخدمته.
ونظام التدبير الذي لكل من هذه المدبرات إنما وجد له حينما وجد وأول ما ظهر من غير فصل فليس مما عملت فيه خيرته وأوجده هو لنفسه عن فكر وروية أو بغيره فنظام تدبيره كنفسه من صانع صنعه وألزمه نظامه بتدبيره.
ومنها الآيات الروحانية الواقعة في عالم النفوس الظاهرة لمن رجع إليها وراقب الله سبحانه فيها من آيات الله التي لا يسعها وصف الواصفين وينفتح بها باب اليقين وتدرج المتطلع عليها في زمرة الموقنين فيرى ملكوت السماوات والأرض كما قال تعالى:
(وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) الانعام: 75.
قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) قيل: المراد بالسماء جهة العلو فإن كل ما علاك وأظلك فهو سماء لغة، والمراد بالرزق المطر الذي ينزله الله على الأرض فيخرج به أنواع ما يقتاتونه ويلبسونه وينتفعون به وقد قال تعالى: (وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها) الجاثية: 5، فسمى المطر رزقا فالمراد بالرزق سببه أو بتقدير مضاف أي سبب رزقكم.
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»
الفهرست