تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٣٦
وقوله: (قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا) المراد بالذين أوتوا العلم العلماء بالله من الصحابة والضمير في (ماذا قال) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والاستفهام في قولهم: (ماذا قال آنفا) قيل: للاستعلام حقيقة لان استغراقهم في الكبر والغرور واتباع الأهواء ما كان يدعهم أن يفقهوا القول الحق كما قال تعالى:
(فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) النساء: 78، وقيل: للاستهزاء، وقيل:
للتحقير كأن القول لكونه مشحونا بالأباطيل لا يرجع إلى معنى محصل، ولكل من المعاني الثلاثة وجه.
وقوله: (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) تعريف لهم، وقوله: (واتبعوا أهواءهم) تعريف بعد تعريف فهو كعطف التفسير، ويتحصل منه أن اتباع الأهواء أمارة الطبع على القلب فالقلب غير المطبوع عليه الباقي على طهارة الفطرة الأصلية لا يتوقف في فهم المعارف الدينية والحقائق الإلهية.
قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) المقابلة الظاهرة بين الآية وبين الآية السابقة يعطي أن المراد بالاهتداء ما يقابل الضلال الملازم للطبع على القلب وهو التسليم لما تهدي إليه الفطرة السليمة واتباع الحق، وزيادة هداهم من الله سبحانه رفعه تعالى درجة إيمانهم، وقد تقدم أن الهدى والايمان ذو مراتب مختلفة، والمراد بالتقوى ما يقابل اتباع الأهواء وهو الورع عن محارم الله والتجنب عن ارتكاب المعاصي.
وبذلك يظهر أن زيادة الهدى راجع إلى تكميلهم في ناحية العلم وإيتاء التقوى إلى تكميلهم في ناحية العمل، ويظهر أيضا بالمقابلة أن الطبع على القلوب راجع إلى فقدانهم كمال العلم واتباع الأهواء راجع إلى فقدانهم العمل الصالح وحرمانهم منه وهذا لا ينافي ما قدمنا أن اتباع الأهواء كعطف التفسير بالنسبة إلى الطبع على القلوب.
قوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) الخ، النظر هو الانتظار، والاشراط جمع شرط بمعنى العلامة، والأصل في معناه الشرط بمعنى ما يتوقف عليه وجود الشئ لان تحققه علامة تحقق الشئ فأشراط الساعة علاماتها الدالة عليها.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست