وإنما نسب دخول المؤمنين الجنات إلى الله نفسه دون إقامة الكفار في النار قضاء لحق الولاية المذكورة فله تعالى عناية خاصة بأوليائه، وأما المنسلخون من ولايته فلا يبالي في أي واد هلكوا.
قوله تعالى: (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم) المراد بالقرية أهل القرية بدليل قوله بعد: (أهلكناهم) الخ، والقرية التي أخرجته صلى الله عليه وآله وسلم هي مكة.
وفي الآية تقوية لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتهديد لأهل مكة وتحقير لأمرهم أن الله أهلك قرى كثيرة كل منها أشد قوة من قريتهم ولا ناصر لهم ينصرهم.
قوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) السياق الجاري على قياس حال المؤمنين بحال الكفار يدل على أن المراد بمن كان على بينة من ربه هم المؤمنون فالمراد بكونهم على بينة من ربهم كونهم على دلالة بينة من ربهم توجب اليقين على ما اعتقدوا عليه وهي الحجة البرهانية فهم إنما يتبعون الحجة القاطعة على ما هو الحري بالانسان الذي من شأنه أن يستعمل العقل ويتبع الحق.
وأما الذين كفروا فقد شغفهم أعمالهم السيئة التي زينها لهم الشيطان وتعلقت بها أهواؤهم وعملوا السيئات، فكم بين الفريقين من فرق.
قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون) إلى آخر الآية يفرق بين الفريقين ببيان مال أمرهما وهو في الحقيقة توضيح ما مر في قوله: (إن الله يدخل الذين آمنوا) الخ من الفرق بينهما فهذه الآية في الحقيقة تفصيل تلك الآية.
فقوله: (مثل الجنة التي وعد المتقون) المثل بمعنى الصفة - كما قيل - أي صفة الجنة التي وعد الله المتقين أن يدخلهم فيها، وربما حمل المثل على معناه المعروف واستفيد منه أن الجنة أرفع وأعلى من أن يحيط بها الوصف ويحدها اللفظ وإنما تقرب إلى الأذهان نوع تقريب بأمثال مضروبة كما يلوح إليه قوله تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) السجدة: 17.
وقد بدل قوله في الآية السابقة: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) في هذه الآية من قوله: (المتقون) تبديل اللازم من الملزوم فإن تقوى الله يستلزم الايمان به وعمل