الفرقة، قال في المجمع: الشيع: الفرق وكل فرقة شيعة وسموا بذلك لان بعضهم يتابع بعضا. انتهى. وكأن المراد بجعل أهل الأرض - وكأنهم أهل مصر واللام للعهد - فرقا القاء الاختلاف بينهم لئلا يتفق كلمتهم فيثوروا عليه ويقلبوا عليه الأمور على ما هو من دأب الملوك في بسط القدرة وتقوية السلطة، واستحياء النساء ابقاء حياتهن.
ومحصل المعنى: أن فرعون علا في الأرض وتفوق فيها ببسط السلطة على الناس وانفاذ القدرة فيهم وجعل أهلها شيعا وفرقا مختلفة لا تجتمع كلمتهم على شئ وبذلك ضعف عامة قوتهم على المقاومة دون قوته والامتناع من نفوذ ارادته.
وهو يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل وهم أولاد يعقوب عليه السلام وقد قطنوا بمصر منذ أحضر يوسف عليه السلام أباه واخوته وأشخصهم هناك فسكنوها وتناسلوا بها حتى بلغوا الألوف.
وكان فرعون هذا وهو ملك مصر المعاصر لموسى عليه السلام يعاملهم معاملة الاسراء الأرقاء ويزيد في تضعيفهم حتى بلغ من استضعافه لهم أن أمر بتذبيح أبنائهم واستبقاء نسائهم وكان فيه افناء رجالهم بقتل الأبناء الذكور وفيه فناء القوم.
والسبب في ذلك أنه كان من المفسدين في الأرض فإن الخلقة العامة التي أوجدت الانسان لم يفرق في بسط الوجود بين شعب وشعب من الشعوب الانسانية ثم جهز الكل بما يهديهم إلى حياة اجتماعية بالتمتع من أمتعة الحياة الأرضية ولكل ما يعادل قيمته في المجتمع وما يساوى زنته في التعاون.
هذا هو الاصلاح الذي يهتف به الصنع والايجاد، والتعدي عن ذلك بتحرير قوم وتعبيد آخرين وتمتيع شعب بما لا يستحقونه وتحريم غيرهم ما يصلحون له هو الافساد الذي يسوق الانسانية إلى البيد والهلاك.
وفى الآية تصوير الظرف الذي ولد فيه موسى عليه السلام وقد أحدقت الأسباب المبيدة لبني إسرائيل على افنائه.
قوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض إلى قوله - ما كانوا يحذرون) الأصل في معنى المن - على ما يستفاد من كلام الراغب - الثقل ومنه تسمية ما يوزن به منا، والمنة النعمة الثقيلة ومن عليه منا أي أثقله بالنعمة. قال: ويقال